.....................................................................
__________________
الموضع الأول
فالتحقيق يقضي ان اطلاق الخطاب يقتضي صدور الفعل من المكلف مباشرة وعليه لايكفي صدور الفعل بالتسبيب أو الاستنابة به فضلا عن صدوره من غيره بلا تسبيب أو استنابة وبيان ذلك يتوقف على تمهيد ( مقدمة ) وهي ان التخيير مطلقا بين فعلين أو أفعال لابد ان يكون بلحاظ الجامع بين الفعلين أو الافعال الذي يحصل به غرض المكلف فلا محالة تكون خصوصيات الافعال المخير بينها خارجة عن حيز الإرادة ومباديها من المصلحة والحب ونحوهما وعليه يكون كل فعل من الفعلين أو الافعال المخير بينها مخاطبا ومأمورا به حين عدم الآخر لا مقيدا أو مشروطا بعدمه ليلزم الدور ولا مطلقا ليلزم كون الوجوب في كل منهما تعيينيا وان شئت فعبر عن الوجوب المزبور بالإرادة الناقصة أعني بها إرادة الفعل في جميع أحوال الامكان إلا في حال الاتيان بالفعل المعادل له. هذا كله فيما لو كان كل من الفعلين أو الافعال مقدورا للمكلف ، وأما إذا خرج أحدهما عن قدرته وبقى أحدهما مقدورا له أو كان كذلك حين جعل الحكم فالمشهور انه يصير المقدور منهما واجبا تعيينيا لانحصار الخطاب فيه ( ولكن التحقيق ) يقضي ببقاء ذلك الفعل المقدور على وجوبه التخييري كما كان عليه قبل امتناع عدله فيما لو كان كل منهما مقدورا حين الخطاب أو كما لو كان كل منهما مقدورا حين الخطاب فيما لو كان أحدهما ممتنعا حين جعل الحكم وذلك لان الوجوب عبارة عن الإرادة التشريعية التي أظهرها الشارع بما يدل عليها للمكلف ولا ريب في أن الإرادة تتبع في مقام تعلقها بالمراد المصلحة القائمة فيه ولا شبهة أيضا في أن المصلحة الداعية إلى ايجابه تخييرا حين القدرة على كلا الفعلين لا تتغير عما هي عليه حين امتناع أحدهما وإذا كانت لم تتغير عما هي عليه من الخصوصية المقتضية للوجوب التخييري لا يعقل ان يكون مقتضاها حين امتناع أحد الفعلين هو الوجوب التعييني إذ هو سنخ آخر من الوجوب لا ينشأ إلا عن مصلحة أخرى تسانخه.
ومما ذكرنا في بيان ملاك الوجوب التخييري يتضح لك السر في بعض الواجبات التوصلية بل التعبدية التي يسقط وجوبها عن المكلف بفعل غيره كتطهير ثوب المكلف بالصلاة والقضاء عن الميت على القول بصحة عمل المتبرع فإنه عليه يسقط وجوب القضاء عن الولي كما يسقط وجوب تطهير الثوب عن المكلف بالصلاة وذلك لان ملاك هذا النحو من الوجوب هو حصول الغرض بوجود الفعل في الخارج بلا دخل لخصوصية فاعله فيه غاية الامر ان المورد اقتضى توجيه الخطاب إلى مكلف خاص كما يظهر ذلك