الوضع والظهور ـ من مسائل الأصول ، من جهة وضوح ان نتيجة هذه المباحث لا تكون الا تعيين الظهور واثبات كون الشيء ظاهرا في كذا ، كظهور هيأة الامر في الوجوب وظهور النهى في الحرمة مثلا والعام والخاص والمطلق والمقيد في كذا وكذا ، ومن المعلوم حينئذ ان مثل هذه لايكاد يقع في طريق استنباط الحكم الشرعي بتشكيل قياس واحد بل يحتاج في مقام انتاج الحكم الشرعي إلى تشكيل قياسين يكون نتيجة أحدهما صغرى لكبري القياس الآخر ، بان نقول في القياس الأول : هذا امر وكل امر ظاهر في الوجوب فهذا ظاهر في الوجوب ، ثم نجعل هذه النتيجة صغرى لكبري في قياس آخر ، ونقول في القياس الثاني : هذا ظاهر وكل ظاهر يجب التعبد به والعمل على طبقه بمقتضى ما دل على وجوب الاخذ بكل ظاهر. وهذا بخلافه في مسألة حجية خبر الواحد ونحوها فإنه فيها لايحتاج الا إلى تشكيل قياس واحد بقولك : هذا مما أخبر العادل بوجوبه أو حرمته وكلما كان كذلك يجب الاخذ به والتعبد بمضمونه فهذا يجب الاخذ به والتعبد بمضمونه. وان كان ميزان كون المسألة أصولية على وقوعها في طريق الاستنباط ولو مع الواسطة ، فعليه وان اندفع الاشكال المتقدم الا انه عليه بلزوم دخول مسائل كثيرة من العلوم الأدبية ـ كالصرف والنحو واللغة ومسائل علم الرجال ـ في المسائل الأصولية ، بملاحظة وقوع نتيجتها بالآخرة في طريق الاستنباط ، وهذا كما ترى ، مع أن ديدنهم على اخراج مسائل المشتق ونحوها عن المسائل من حيث جعلهم أول المباحث مباحث الأمر والنهي ، فيبقى حينئذ سؤال الفرق بين هذه المسألة وبين مسألة الأمر والنهي والعام والخاص الخ.
وحاصل الدفع هو انا نختار الشق الثاني ومع ذلك نلتزم بخروج الأمور المزبورة عن مسائل الأصول ، وذلك اما أولا فلوضوح ان المهم والمقصود في العلوم الأدبية كالنحو والصرف ليس هو اثبات الظهور للكلمة والكلام بل وانما المهم فيها انما هو اثبات كون الفاعل مرفوعا والمفعول منصوبا في ظرف الفراغ عن فاعلية الفاعل ومفعولية المفعول ، وأين ذلك ومثل مباحث الأمر والنهي والعام والخاص المتكلفة لاحراز الظهور في الكلمة والكلام؟ وثانيا على فرض ان المقصود في العلوم الأدبية أيضا احراز الظهور في شيء كظهور المرفوع في الفاعلية والمنصوب في المفعولية ، نقول بان غاية ما يقتضيه ذلك حينئذ انما هو وقوع نتيجتها في طريق استنباط موضوعات الاحكام لأنفسها ، والمسائل الأصولية انما كانت عبارة عن القواعد الواقعة في طريق استنباط نفس الأحكام الشرعية العملية