سرت من أو من البصرة بل لابد من ذكر المتعلقين فان ذلك شاهد صدق على كون مدلول الحروف من سنخ النسب والارتباطات المتقومة بالطرفين.
ثم انه بعد ما ظهر من كون معاني الحروف عبارة عن الروابط الذهنية بين المفهومين ، يبقى الكلام في أنها ايجادية توجد باستعمال الأداة ، أو انها غير ايجادية بل كانت منبئة تنبئ عنها الأداة والهيئات كما في الأسماء ، حيث إن فيها وجهين :
وقد ذهب بعض الأساطين إلى الأول والتزم بكونها ايجادية حيث أفاد في وجه ايجادية معاني الحروف بان الأسماء انما كانت موضوعة للطبايع المجردة عن خصوصية الارتباط بالغير فكان المفهوم الماء ومفهوم الكوز مفهومين متغايرين في الذهن غير مربوط أحدهما بالآخر عند لحاظهما ، ولكنك بقولك : ( الماء في الكوز ) توجد بلفظ ( في ) ربطا بين مفهومي الماء والكوز فكان هذا الربط جائيا من لفظ ( في ) والا فبدونه كان المفهومان أجنبيين لا ربط لأحدهما بالآخر ، وهكذا في نحو السير والبصرة ، فتكون الحروف كلها حينئذ آلات لايجاد معانيها ، بل وهكذا الهيئات أيضا إذ كان مفهوم كلمة الماء معنى متعقلا في ذاته ، استعمل فيه كلمة الماء أم لا ، كان الاستعمال في ضمن الهيئة الكلامية أو على نحو الافراد فلا فرق بين ان يقال الماء بارد مثلا أو الماء بلا تركيب كلامي ، حيث كان لهذا اللفظ في الصورتين معنى مستعمل فيه ، الا ان الهيئة الكلامية توجد ربطا بينه وبين البارد بعد أن لم يكن بينهما هذا الربط. وهذا بخلافه في المعاني الاسمية فإنها متحققة في حد ذاتها في عالم المفهوم ويكون استعمالها لاخطارها في الذهن. وحينئذ فكم فرق بين الأسماء وبين الحروف والهيئات ، فان الأسماء كلها تكون حاكية ومنبئة عن معانيها التي هي المفاهيم المستقلة في حد ذواتها بخلاف الحروف والهيئات فان هذه طرا تكون آلة لاحداث معانيها. ثم انه استشهد لذلك أيضا بالخبر المروي في المعالم عن أبي السلام عن أبي الأسود الدؤلي عن أمير المؤمنين عليهالسلام بقوله : ( الاسم ما أنبأ عن المسمى والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى والحرف ما أوجد معنى في غيره ) ، بتقريب ان في العدول في الحروف عن الانباء كما في الأسماء والافعال إلى الايجاد دلالة على أنه لا معنى للحروف تكشف عنها الأداة كما في الأسماء والافعال وان معانيها معان ايجادية تحدث باستعمال ألفاظها. نعم في نسخة أخرى هكذا بدل ( والحرف ما أوجد معنى في غيره ) ( والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل ) ولكنه رجح الأول من جهة علو