هذا هو مقتضي الأصول العملية عند الشك وعدم ترجيح أحد الاحتمالين على الآخر ، ولقد عرفت ان مقتضاها جريان حكم التخصيص في جميع صور المسألة عدا فرض تضاد الحكم الثابت للخاص مع الحكم الثابت للعام.
واما مقام الترجيح فقد يقال : بترجيح احتمال التخصيص على احتمال النسخ ، بتقريب ان التخصيص أكثر وأشيع من النسخ حتى قيل من جهة كثرته وشيوعه : بأنه ما من عام الا وقد خص ، وبان النسخ في الحقيقة تخصيص في الأزمان قبال التخصيص في الافراد ، ومع الدوران يقدم الثاني على الأول لكونه كثيرا من تخصيص الأزمان. ولكن فيه ما لايخفى ، فإنه أولا نمنع كون النسخ من باب التخصيص في الأزمان الراجع إلى باب التصرف في الدلالة ، بل هو كما عرفت أشبه شيء بباب التقية الراجع إلى التصرف في الجهة قبال التخصيص الراجع إلى مقام التصرف في الدلالة ، كما يكشف عنه أيضا صحة النسخ بزمان يسير عقيب قوله : أكرم زيدا في كل زمان ، مصرحا بعمومه الأزماني ، حيث يرى بالوجدان انه يصح له نسخ ذلك الحكم بعد يوم أو ساعة ، بقوله : نسخت ذلك الحكم ، من دون استهجان أصلا ، مع عدم صحة ذلك بنحو التخصيص من جهة كونه من تخصيص الأكثر المستهجن ، حيث إن نفس ذلك أقوى شاهد وأعظم بيان على عدم ارتباط النسخ بباب التخصيص في الأزمان وكونه من سنخ الأكاذيب والتقية الراجعة إلى مقام التصرف في الجهة دون الدلالة ، وثانيا منع اقتضاء مجرد الشيوع والأكثرية لترجيح التخصيص والتصرف الدلالي على النسخ والتصرف الجهتي ، والا لاقتضى ذلك تقديم التقية على غيرها عند الدوران بينها وبين غيرها ، نظراً إلى شيوع التقية في زمان صدور هذه الأخبار ، مع أنه لايكون كك ، حيث إن بنائهم على عدم الاعتناء باحتمال صدور الخطاب تقية الا في بعض الموارد الخاصة التي كان الأصل الجهتي فيها موهونا في نفسه ، كما في مسألة طهارة الكتابي ، ومسألة حلية اكل ذبائحهم وطهارتهم ، ومسألة عدم تنجس الماء القليل بملاقاة النجاسة ، بل ومنع أصل أكثرية التخصيص من غيره أيضا ، فان لنا فرض الكلام في الخصوصيات الواردة في صدر الشريعة وبدوها ، ولئن قيل بان الأكثرية والأشيعية انما هي بلحاظ الاحكام العرفية لا بلحاظ خصوص الخطابات الشرعية حتى يتوجه الاشكال المزبور ، يقال انه من الممنوع أيضا أكثرية التخصيص في الاحكام العرفية من السنخ لولا دعوى أكثرية السنخ فيها بلحاظ جهلهم بالموانع