ما على نفسي أبكي ، ولكنّي إنّما أبكي عليك ، فدعا عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «اللهمّ اكفناه بما شئت» ، فساخت به فرسه في الأرض إلى بطنها ، فوثب عنها ، ثم قال : يا محمد قد علمت أنّ هذا عملك ، فادع الله أن ينجيني ممّا أنا فيه ، فو الله لأعمينّ على من ورائي من الطّلب ، وهذه كنانتي فخذ منها سهما ، فإنّك ستمرّ بإبلي وغنمي بمكان كذا وكذا ، فخذ منها حاجتك ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لا حاجة لنا في إبلك وغنمك ، فدعا له ، فانطلق راجعا إلى أصحابه ، ومضى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأنا معه حتى قدمنا المدينة ليلا. أخرجاه من حديث زهير بن معاوية ، سمعت أبا إسحاق قال : سمعت البراء. وأخرج البخاري حديث إسرائيل ، عن عبد الله بن رجاء ، عنه (١).
وقال عقيل ، عن الزّهريّ : أخبرني عبد الرحمن بن مالك المدلجيّ أنّ أباه أخبره ، أنّه سمع سراقة بن مالك بن جعشم يقول : جاءنا رسل كفّار قريش يجعلون في رسول الله وأبي بكر دية كلّ واحد منهما في قتله أو أسره ، فبينا أنا جالس في مجلس قومي بني مدلج ، إذ (٢). أقبل رجل منهم ، حتى قام علينا ونحن جلوس فقال : يا سراقة إنّي قد رأيت انفا أسودة (٣) بالساحل ، أراها محمدا وأصحابه ، قال سراقة : فعرفت أنّهم هم ، فقلت : إنّهم ليسوا بهم ، ولكنّك (٤) رأيت فلانا وفلانا ، انطلقوا بأعيننا (٥) ، ثمّ قلّما لبثت في المجلس حتى قمت فدخلت بيتي ، فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي فتهبطها من وراء أكمة فتحبسها عليّ ، فأخذت رمحي وخرجت من ظهر البيت ،
__________________
(١) انظر دلائل النبوّة لأبي نعيم ٢ / ١١٣ ، وانظر بعضه في صحيح البخاري ٤ / ٢٥٩ باب هجرة النبي صلىاللهعليهوسلم ... ونهاية الأرب ١٦ / ٣٣٤.
(٢) (إذ) ساقطة من الأصل ، فاستدركتها من صحيح البخاري ، ومن المنتقى لابن الملّا.
(٣) جمع سواد ، وهو الشخص لأنّه يرى من بعيد أسود. (تاج العروس).
(٤) في الأصل (ولكن) وكذلك في (المنتقى) ، وفي صحيح البخاري و (ع) : «ولكنك».
(٥) في (ع) والأصل (باغين) بدل (بأعيننا) المذكورة في الصحيح.