المغيرة : كنّا قوما متمسّكين بديننا ، ونحن سدنة اللات ، فأراني لو رأيت قومنا قد أسلموا ما تبعتهم ، فأجمع نفر من بني مالك الوفود على المقوقس ، وإهداء هدايا له ، فأجمعت الخروج معهم ، فاستشرت عمّي عروة بن مسعود ، فنهاني وقال : ليس معك من بني أبيك أحد ، فأبيت وخرجت معهم ، وما معهم من الأحلاف غيري ، حتى دخلنا الإسكندرية ، فإذا المقوقس في مجلس مطلّ على البحر ، فركبت زورقا حتى حاذيت مجلسه ، فنظر إليّ فأنكرني ، وأمر من يسألني ، فأخبرته بأمرنا وقدومنا ، فأمر أن ننزل في الكنيسة ، وأجرى علينا ضيافة ، ثم أدخلنا عليه ، فنظر إلى رأس بني مالك ، فأدناه وأجلسه معه ، ثم سأله عن القوم : أكلّهم من بني مالك؟ قال : نعم ، إلا هذا ، قال : فكنت أهون القوم عليه ، وسرّ بهداياهم ، وأعطاهم الجوائز ، وأعطاني شيئا يسيرا ، وخرجنا ، فأقبلت بنو مالك يشترون هدايا لأهلهم وهم مسرورون ، ولم يعرض عليّ رجل منهم مواساة ، وخرجوا وحملوا معهم الخمر ، فكانوا يشربون وأشرب معهم وتأبى نفسي أن تدعني ينصرفون إلى الطائف بما أصابوا ، ويخبرون قومي بكرامتهم على الملك ، وتقصيره بي وازدرائه إيّاي ، فأجمعت على قتلهم ، فتمارضت وعصبت رأسي ، فوضعوا شرابهم ، فقلت : رأسي يصدع ، ولكني أجلس وأسقيكم ، فجعلت أصرف لهم (١) ، يعني لا أمزج ، وأنزع الكأس ، فيشربون ولا يدرون ، حتى ناموا سكرا ما يعقلون ، فوثبت وقتلتهم جميعا ، وأخذت ما معهم ، فقدمت على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فأجده جالسا في المسجد ، وعليّ ثياب سفري ، فسلّمت بسلام الإسلام (٢) ، فعرفني أبو بكر ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الحمد لله الّذي هداك للإسلام» ، فقال أبو بكر : أمن مصر أقبلتم؟ قلت : نعم ، قال : فما فعل المالكيّون؟ قلت : قتلتهم وجئت بأسلابهم إلى رسول الله ليخمّسها ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أما إسلامك فنقبله ، وأما أموالهم فلا آخذ منها شيئا ، هذا
__________________
(١) أي أسقيهم الخمر صرفا من غير مزج بالماء.
(٢) «بسلام الإسلام» غير موجودة في الأصل ، فاستدركتها من الطبقات الكبرى لابن سعد ٤ / ٢٨٦.