وليس في الأرض صباح إلّا أولاهم حباء وكرامة ، ولا يعرض لهم بذكر شيء ، حتى قضى نسكه وترحّلت أثقاله ، وقرب سيره ، فأقبل بعض القوم على بعض فقال : أيها القوم لا تخدعوا ، إنه والله ما صنع بكم ما صنع لحبّكم ولا لكرامتكم ، ولا صنعه إلا لما يريده ، فأعدّوا له جوابا.
وأقبلوا على الحسين فقالوا : أنت يا أبا عبد الله! فقال : وفيكم شيخ قريش وسيّدها هو أحقّ بالكلام.
فقالوا لعبد الرحمن : يا أبا محمد ، قال : لست هناك ، وفيكم صاحب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وسيّد المرسلين.
فقالوا لابن عمر : أنت ، قال : لست بصاحبكم ، ولكن ولّوا الكلام ابن الزبير ، قال : نعم إن أعطيتموني عهودكم أن لا تخالفوني ، كفيتكم الرجل ، قالوا : ذاك لك. قال : فأذن لهم ودخلوا ، فحمد الله معاوية وأثنى عليه ، ثم قال : قد علمتم مسيري فيكم ، وصلتي لأرحامكم ، وصفحي عنكم ، ويزيد أخوكم ، وابن عمّكم ، وأحسن الناس فيكم رأيا ، وإنما أردت أن تقدّموه ، وأنتم الذين تنزعون وتؤمّرون وتقسّمون ، فسكتوا ، فقال : ألا تجيبوني! فسكتوا ، فأقبل على ابن الزبير فقال : هات يا بن الزبير ، فإنك لعمري صاحب خطبة القوم.
قال : نعم يا أمير المؤمنين ، نخيّرك بين ثلاث خصال ، أيّها ما أخذت فهو لك ، قال : لله أبوك ، اعرضهنّ ، قال : إن شئت صنع ما صنع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وإن صنع ما صنع أبو بكر ، وإن شئت صنع ما صنع عمر.
قال : ما صنعوا؟.
قال : قبض رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلم يعهد عهدا ، ولم يستخلف أحدا ، فارتضى المسلمون أبا بكر.
فقال : إنه ليس فيكم اليوم مثل أبي بكر ، إنّ أبا بكر كان رجلا تقطع دونه الأعناق ، وإني لست آمن عليكم الاختلاف.
قال : صدقت ، والله ما نحب أن تدعنا ، فاصنع ما صنع أبو بكر.
قال : لله أبوك وما صنع؟.