ثم قال : أما بعد ، فإنك قد كانت قبلك خلفاء لهم أبناء ، ليس ابنك بخير من أبنائهم ، فلم يروا في أبنائهم ما رأيت في ابنك ، ولكنهم اختاروا للمسلمين حيث علموا الخيار ، وإنك تحذّرني أن أشقّ عصا المسلمين (١) ، ولم أكن لأفعل ، إنما أنا رجل من المسلمين ، فإذا اجتمعوا على أمر فإنما أنا رجل منهم. فقال : يرحمك الله ، فخرج ابن عمر.
ثم أرسل إلى ابن أبي بكر ، فتشهّد ، ثم أخذ في الكلام ، فقطع عليه كلامه ، وقال : إنك والله لوددت أنّا وكّلناك في أمر ابنك إلى الله ، وإنّا والله لا نفعل ، والله لتردنّ هذا الأمر شورى في المسلمين ، أو لنعيدنّها عليك جذعة ، ثم وثب ومضى ، فقال معاوية : اللهمّ اكفنيه بما شئت ، ثم قال : على رسلك أيها الرجل ، لا تشرفنّ على أهل الشام ، فإنّي أخاف أن يسبقوني بنفسك ، حتى أخبر العشيّة أنك قد بايعت ، ثم كن بعد على ما بدا لك من أمرك.
ثم أرسل إلى ابن الزبير فقال : يا بن الزبير ، إنما أنت ثعلب روّاغ ، كلما خرج من حجر دخل آخر ، وإنك عمدت إلى هذين الرجلين فنفخت في مناخرهما وحملتهما على غير رأيهما.
فقال ابن الزبير : إن كنت قد مللت الإمارة فاعتزلها ، وهلمّ ابنك فلنبايعه ، أرأيت إذا بايعنا ابنك معك لأيّكما نسمع ونطيع! لا نجمع البيعة لكما أبدا ، ثم خرج.
وصعد معاوية المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إنّا وجدنا أحاديث الناس ذات عوار ، زعموا أنّ ابن عمر ، وابن أبي بكر ، وابن الزبير ، لن يبايعوا يزيد ، وقد سمعوا وأطاعوا وبايعوا له ، فقال أهل الشام : والله لا نرضى حتى يبايعوا على رءوس الأشهاد ، وإلّا ضربنا أعناقهم ، فقال : سبحان الله ما أسرع الناس إلى قريش بالشّرّ (٢) ، لا أسمع هذه المقالة من أحد منكم بعد اليوم ، ثم نزل ، فقال الناس : بايع ابن عمر وابن الزبير وابن أبي بكر
__________________
(١) في تاريخ خليفة زيادة : «وأن أسعى في فساد ذات بينهم».
(٢) في تاريخ الخلفاء ٢١٤ «بالسوء».