ولم يكن آدم فحسب هو المسجود له بأمره سبحانه ، بل يوسف الصديق كان نظيره ، فقد سجد له أبواه وإخوته ، وتحقّق تأويل رؤياه بنفس ذلك العمل ، قال سبحانه حاكياً عن لسان يوسف : (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) (يوسف / ٤).
كما يحكي تحقّقه بقوله سبحانه : (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا) (يوسف / ١٠٠) ومعه كيف يصحّ تفسير العبادة بالخضوع أو نهايته.
إنّه سبحانه أمر جميع المسلمين بالطواف بالبيت ، الذي ليس هو إلّا حجراً وطيناً ، كما أمر بالسعي بين الصفا والمروة ، قال سبحانه : (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج / ٢٩) وقال سبحانه : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) (البقرة / ١٥٨).
فهل ترى أنّ الطواف حول التراب والجبال والحجر عبادة لهذه الأشياء بحجّة أنّه خضوع لها؟!
إنّ شعار المسلم الواقعي هو التذلّل للمؤمن والتعزّز على الكافر ، قال سبحانه : (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) (المائدة / ٥٤).
فمجموع هذه الآيات وجميع مناسك الحجّ ، يدلّان بوضوح على أنّ مطلق الخضوع والتذلّل ليس عبادة. وإذا فسّرها أئمة اللغة بالخضوع والتذلّل ، فقد فسّروها بالمعنى الأوسع ، فلا محيص حينئذٍ عن القول بأنّ العبادة ليست إلّا نوعاً خاصاً من الخضوع. وإن سُميت في بعض الموارد مطلق الخضوع عبادة ، فإنّما سُميت من باب المبالغة والمجاز ، يقول سبحانه : (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) (الفرقان / ٤٣) فكما أنّ إطلاق اسم الإله على الهوى مجاز فكذا تسمية متابعة الهوى عبادة له ، ضرب من المجاز.