خاتمة المطاف
الفوضى في التطبيق بين الإمام والمأموم
لقد ترك الإهمال في تفسير العبادة تفسيراً منطقياً ، فوضى كبيرة في مقام التطبيق بين الإمام والمأموم فنرى أنّ إمام الحنابلة أحمد بن حنبل (١٦٤ ـ ٢٤١ ه) صدر عن فطرة سليمة في تفسير العبادة ، وأفتى بجواز مسِّ منبر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والتبرّك به وبقبره وتقبيلهما عند ما سأله ولده عبد الله بن أحمد ، وقال : سألته عن الرجل يمسُّ منبرَ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ويتبرّك بمسِّه ، ويُقَبّله ، ويفعل بالقبر مثل ذلك ، يريد بذلك التقرّب إلى الله عزوجل؟ فقال : «لا بأس بذلك». (١)
هذه هي فتوى الإمام ـ الذي يفتخر بمنهجه أحمد بن تيمية ، وبعده محمّد بن عبد الوهاب ـ ولم ير بأساً بذلك ، لما عرفت من أنّ العبادة ليست مجرّد الخضوع ، فلا يكون مجرّد التوجّه إلى الأجسام والجمادات عبادة ، بل هي عبارة عن الخضوع نحو الشيء ، باعتبار أنّه إله أو ربّ ، أو بيده مصير الخاضع في عاجله وآجله ، وأمّا مسّ المنبر أو القبر وتقبيلهما لغاية التكريم والتعظيم لنبيّ التوحيد ، فلا يوصف بالعبادة ولا يتجاوز التبرّك به في المقام عن تبرّك يعقوب بقميص ابنه يوسف ، ولم يخطر بخلد أحد من المسلمين إلى اليوم الذي جاء فيه ابن تيمية بالبدع الجديدة ، أنّها عبادة لصاحب القميص والمنبر والقبر أو لنفس تلك الأشياء.
__________________
(١) أحمد بن حنبل ، العلل ومعرفة الرجال ٢ : ٤٩٢ ، برقم : ٣٢٤٣ ، تحقيق الدكتور وصي الله عباس ، ط بيروت ١٤٠٨.