يجعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج سداً فعند ذلك يخاطبهم ذو القرنين بقوله : (ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً) (الكهف / ٩٥) وها هو الذي كان من شيعة موسى يستغيث به ، يقول سبحانه : (فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ) (القصص / ١٥) وهذا هو النبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم يدعو قومه للذبّ عن الإسلام في غزوة أُحد وقد تولّوا عنه ، قال سبحانه : (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ) (آل عمران / ١٥٣) فهذا النوع من الدعاء قامت عليه الحياة البشرية ، فليس هو عبادة وإنّما هو توسل بالأسباب ، فإن كان السبب قادراً على إنجاز المطلوب كان الدعاء أمراً عقلائياً وإلّا يكون لغواً وعبثاً.
ثمّ إنّ القائلين بأنّ دعاء الصالحين عبادة ، عند مواجهتهم لهذا القسم من الآيات وما تقتضيه الحياة الاجتماعية ، يتشبثون بكلّ طحلب حتى ينجيهم من الغرق ويقولون إنّ هذه الآيات تعود إلى الأحياء ولا صلة لها بدعاء الأموات ، فكون القسم الأوّل جائزاً وأنّه غير عبادة ؛ لا يلازم جواز القسم الثاني وكونه غير عبادة.
ولكن عزب عن هؤلاء إنّ الحياة والموت ليسا حدين للتوحيد والشرك ولا ملاكين لهما ، بل هما حدّان لكون الدعاء مفيداً أو لا ، وبتعبير آخر ملاكان للجدوائية وعدمها.
فلو كان الصالح المدعو غير قادر لأجل موته مثلاً تكون الدعوة أمراً غير مفيد لا عبادة له ، ومن الغريب أن يكون طلب شيء من الحيّ نفس التوحيد ومن الميت نفس الشرك.
كلّ ذلك يوقفنا على أنّ القوم لم يدرسوا ملاكات التوحيد والشرك بل لم يدرسوا الآيات الواردة في النهي عن دعاء غيره ، فأخذوا بحرفية الآيات من دون تدبّر مع أنّه سبحانه يقول : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا