(وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ) (النساء / ١٧١).
ومن المعلوم أنّ لفظ الجلالة في الآية منسلخ عن معنى العلمية لوضوح أنّ مصداق العلم واحد لا كثير فلا وجه للتركيز على انّه واحد ، فإذاً لا يصحّ التركيز إلّا بانسلاخ لفظ الجلالة عن معنى العلمية حتى يصحّ التأكيد على أنّ الله إله واحد.
نعم لقائل أن يقول : إنّ الإله في الآية بمعنى المعبود ، والهدف من التأكيد بالوحدانيّة ، أنّه لا معبود سواه ، فتكون النتيجة حصر المعبود الواحد فيه سبحانه.
ولكن التمعن في صدرها وذيلها ، لا يدعم ذلك الرأي وذلك لانّها بصدد إثبات توحيد الذات وإبطال التثليث كما عليه النصرانية في عصر الرسول وما بعده إلى يومنا هذا. فالمسيح عندهم جزء من العناصر الثلاثة التي تشكل إلهاً واحداً ويُشار إلى ذلك الواحد بلفظ الجلالة ، ففي ذلك الموقف الخطير الذي يريد فيه النصراني نفي توحيد الذات وإثبات كثرتها يُناسب التركيز على وحدة الذات ، وتوحيدها ، لا وحدة المعبود التي لا تصل النوبة إليها إلّا بعد الفراغ عن مسألة وحدة الذات وكثرتها قال سبحانه :
(يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) (النساء / ١٧١).
قد صيغت الآية وكأنّها سبيكة واحدة ، لدحض مزعمة التثليث التي لا تتفق مع وحدانية الذات ولأجل ذلك يقول بعد قوله : (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ) (سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ) أي فهو موجود بسيط ، (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) ، فكيف يكون له ولد ، وهو في غنى عن الولد ، وهو مالك لما في السماوات والأرض.