الفصل الرابع
في حصر الاستعانة في الله
إنّ التوسل بالنّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وإن كان استعانة به لكنّه لا ينافي حصر الاستعانة بالله تبارك وتعالى وذلك أنّ المسلمين في أقطار العالم يَحصرون الاستعانة في الله سبحانه ومع ذلك يستعينون بالأسباب العادية ، جرياً على القاعدة السائدة بين العقلاء ، ولا يرونه مخالفاً للحصر ، كما أنّ المتوسّلين بأرواح الأنبياء يستعينون بهم في مشاهدهم ومزاراتهم ولا يرونه معارضاً لحصر الاستعانة بالله سبحانه ، وذلك لأنّ الاستعانة بغير الله يمكن أن تتحقق بصورتين :
١ ـ أن نستعين بعامل ـ سواء أكان طبيعياً أم غير طبيعي ـ مع الاعتقاد بأنّ عمله مستند إلى الله ، بمعنى أنه قادر على أن يعين العباد ويزيل مشاكلهم بقدرته المكتسبة من الله وإذنه.
وهذا النوع من الاستعانة ـ في الحقيقة ـ لا ينفك في الواقع عن الاستعانة بالله ذاته ، لأنّه ينطوي على الاعتراف بأنّه هو الذي منح تلك العوامل ، ذلك الأثر ، وأذن لها ، وإن شاء سلبها وجرّدها منه.
فإذا استعان الزارع بعوامل طبيعية كالشمس والماء وحرث الأرض ، فقد استعان بالله ـ في الحقيقة ـ لأنّه تعالى هو الّذي منح هذه العوامل : القدرة على إنماء ما أودع في بطن الأرض من بذر ومن ثمّ إنباته والوصول به إلى حدّ الكمال.
٢ ـ أن يستعين بإنسان حيّ او ميّت أو عامل طبيعي مع الاعتقاد بأنّه مستقلّ في وجوده ، أو في فعله عن الله ، فلا شكّ أنّ ذلك الاعتقاد شرك والاستعانة به عبادة.