كما ادعى هذا الفريق. (١)
نعم كان فريق من مثقفي الجاهليين يعتقدون بعدم وجود مدبّر سوى الله ولكن كانت تقابلهم جماعات كبيرة ممن يعتقدون بتعدد المدبر والتدبير ، وهي قضية تستفاد من الآيات القرآنية مضافاً إلى المصادر التاريخيّة.
وهنا نلفت نظر الوهابيين الذين يسمّون التوحيد في الخالقية ، بالتوحيد في الربوبية إلى الآيات التالية حتى يتضح لهم أنّ الدعوة إلى التوحيد في الربوبية لا تعني الدعوة إلى التوحيد في الخالقية بل هي دعوة إلى «التوحيد في المدبّرية» والتصرف ، وقد كان بين المشركين في ذلك العصر من كان يعاني انحرافاً من التوحيد الربوبي ، ويعتقد بتعدد المدبِّر رغم كونه معتقداً بوحدة الخالق.
ولا يمكن ـ أبداً ـ أن نفسر الربّ في هذه الآيات بالخالق والموجد. وإليك بعض هذه الآيات.
أ : (بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ) (الأنبياء / ٥٦).
فلو كان المقصود من الربّ هنا هو الخالق والموجد ، لكانت جملة (الَّذِي فَطَرَهُنَّ) زائدة بدليل أنّنا لو وضعنا لفظة الخالق مكان الربّ في الآية للمسنا عدم الاحتياج ـ حينئذٍ ـ إلى الجملة المذكورة (أعني : (الَّذِي فَطَرَهُنَّ)).
بخلاف ما إذا فسّر الربّ بالمدبّر والمتصرّف ، ففي هذه الصورة تكون الجملة الأخيرة مطلوبة ، لأنّها تكون ـ حينئذٍ ـ علّة للجملة الأُولى ، فتعني هكذا : إنّ خالق الكون ، هو المتصرف فيه وهو المالك لتدبيره والقائم بإدارته ، لا شخص آخر فلما ذا فرقتم بين الخالق والربّ ولما ذا حصرتم الخالقية في الله سبحانه ، وأعطيتم الربوبية لغيره.
ب : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ) (البقرة / ٢١).
__________________
(١) سيوافيك عقائد المشركين في ربوبيّة الآلهة في الفصل الآتي.