فانّ لفظة الربّ في هذه الآية ليست بمعنى «الخالق» وذلك على غرار ما قلناه في الآية المتقدمة المشابهة لما نحن فيه ، إذ لو كان الربّ بمعنى الخالق لما كان لذكر جملة (الَّذِي خَلَقَكُمْ) وجه ، بخلاف ما إذا قلنا بأنّ الربّ يعني المدبّر فتكون جملة : (الَّذِي خَلَقَكُمْ) علّة للتوحيد في الربوبية إذ يكون المعنى حينئذٍ هو : انّ الّذي خلقكم ، هو مدبّركم.
ج : (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ) (الأنعام / ١٦٤).
وهذه الآية حاكية عن أنّ مشركي عصر الرسالة كانوا على خلاف مع الرسول الكريم صلىاللهعليهوآلهوسلم في مسألة الربوبية على نحو من الأنحاء وانّ النبي الأعظم كان مكلّفاً بأن يُفنّد رأيهم ويبطل عقيدتهم ولا يتخذ غير الله ربّاً على خلاف ما كانوا عليه. ومن المحتّم أنّ خلاف النبي مع المشركين لم يكن حول مسألة «التوحيد في الخالقية» بدليل أنّ الآيات السابقة تشهد من غير إبهام بأنّهم كانوا يعترفون بأنّه لا خالق سوى الله تعالى ، ولذلك فلا مناص من الإذعان بأنّ الخلاف المذكور كان في غير مسألة الخالقية ، وليس هو إلّا مسألة تدبير الكون ، بعضه أو كلّه.
د : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) (الأعراف / ١٧٢).
فقد أخذ الله في هذه الآية ـ من جميع البشر ـ الإقرار بالتوحيد الربوبي وكانت علّة ذلك هي ما ذكره من أنّه سيحتج على عباده بهذا الميثاق يوم القيامة كما يقول :
(أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) (الأعراف / ١٧٣).
إذا تبيّن هذا فنقول : إنّ نزولَ هذه الآية في بيئة مشركة ، دليل ـ ولا شكّ ـ على وجود فريق معتد به في تلك البيئة كانوا يخالفون هذا الميثاق ، فإذا كانت