التقنين. ووظيفة الحكومة تعريف أفراد المجتمع بواجباتهم ووظائفهم ومالهم وما عليهم من حقوق ، ثمّ تحقيقها وتجسيدها.
إنّ أعمال الحكومة والحاكمية في المجتمع لا تنفك عن التصرف في النفوس والأموال وتنظيم الحريّات وتحديدها أحياناً والتسلّط عليها ولا يقوم بذلك إلّا من كانت له الولاية على الناس ولو لا ذلك لعُدّ التصرف عدواناً ، وبما أنّ جميع الناس سواسيه أمام الله والكلّ مخلوق له بلا تمييز فلا ولاية لأحد على أحد بالذات بل الولاية لله المالك الحقيقي للإنسان والكون ، والواهب له الوجود والحياة ، فلا يصحّ لأحد الإمرة على العبادة إلّا بإذنه.
فالأنبياء والعلماء والمؤمنون مأذونون من قبله سبحانه في أن يتولوا الأمر من قبله ويمارسوا الحكومة على الناس من ناحيته ، فالحكومة حقّ مختصّ بالله سبحانه والأمارة ممنوحة من قبله.
قال سبحانه : (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ) (الأنعام / ٥٧).
وقال سبحانه : (أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ) (الأنعام / ٦٢).
نعم إنّ اختصاص حقّ الحاكمية بالله سبحانه ليس بمعنى قيامه شخصياً بممارسة الإمرة ، بل المراد أنّ من قام بالإمرة في المجتمع البشري ، يجب أن يكون مأذوناً من جانبه سبحانه لإدارة الأُمور ، والتصرّف في النفوس والأموال.
ولذلك نرى أنّه سبحانه : يمنح لبعض حقّ الحكومة بين الناس ، إذ يقول :
(يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) (ص / ٢٦) وعلى ضوء ذلك فلا محيص عن كون الحكومة في المجتمع الإسلامي مأذوناً بها من قبل الله سبحانه : ممضاة من جانبه ، وإلّا كانت حكم الطاغوت ، الذي شجبه القرآن في أكثر من آية.