سفره إلى البلقاء من بقاع الشام أُناساً يعبدون الأوثانَ وعند ما سألهم عمّا يفعلون قائلاً : ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدونها؟
قالوا : هذه أصنام نعبدها فنستمطرها فتُمطرنا ، ونستنصرها فَتَنصُرنا ، فقال لهم : أفلا تعطونني منها فأسير به إلى أرض العرب فيعبدوه.
وهكذا استحسن طريقتَهم واستصحب معه إلى مكّة صنماً كبيراً اسمه هُبل ووضعه على سطح الكعبة المشرّفة ودعا الناس إلى عبادته. (١)
فاستمطار المطر من هذه الأصنام والاستنصار بها يكشف عن عقيدتهم فيها وأنّ لها مدخلية في تدبير شئون الكون وحياة الإنسان.
يقول هشام بن محمد بن السائب الكلبي : مرض لُحيّ بن حارث بن عامر الأزدي وهو أبو خزاعة فقيل له : إنّ بالبلقاء من الشام حَمَّة (٢) إن أتيتَها بُرِئتَ فأتاها فاستحمّ بها فبَرئ بها فوجد أهلها يعبدون الأصنام ، فقال : ما هذه؟ فقالوا : نستسقي بها المطر ونستنصر بها على العدو ، فسألهم أن يعطوه منها ، ففعلوا فقدم بها إلى مكة ونصبها حول الكعبة. (٣)
وقال السيّد الآلوسي : وكانت لقريش أصنام في جوف الكعبة وكانت أعظمها هبل عندهم وكان ـ فيما بلغني ـ من عقيق أحمر على صورة الإنسان مكسور اليد اليمنى أدركته قريش كذلك ، فجعلوا له يداً من الذهب وكان أوّل من نصبه خزيمة بن مدركة وكان يقال له هبل خزيمة ... إلى أن قال : فإذا شكوا في مولود أهدوا له هدية ... الخ.
ويقول أيضاً : وكان لمالك ومِلْكان ابني كنانة ، بساحل جدّة صنم يقال له
__________________
(١) ابن هشام : السيرة النبوية ١ : ٧٩.
(٢) بالفتح وتشديد الميم كلّ عين فيها ماء حارّ ينبع ، ويستشفي الأعلّاء.
(٣) الكلبي / الأصنام ص ٨ ، شكرى الآلوسي : بلوغ الارب في معرفة العرب ٢ : ٢٠١.