الفصل الثالث
في تحديد مفهوم العبادة
العبادة من الموضوعات التي تطرّق إليها الذكر الحكيم كثيراً. وقد حثَّ عليها في أكثر من سورةٍ وآية وخصَّها بالله سبحانه وقال : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) (الإسراء / ٢٣) ونهى عن عبادة غيره من الأنداد المزعومة والطواغيت والشياطين ، وجعل اختصاص العبادة به الأصلَ الأصيل بين الشرائع السماوية وقال : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) (آل عمران / ٦٤) كما جعلها الرسالة المشتركة بين الرسل فقال سبحانه : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) (النحل / ٣٦).
فإذا كانت لهذا الموضوع تلك العناية الكبيرة فجدير بالباحث المسلم أن يتناوله بالبحث والتحقيق العلمي ، حتى يتميّز هذا الموضوع عن غيره تميزاً منطقياً.
والذي يُضفي على الدراسة ، أهمية أكثر ، هو أنّ التوحيد في العبادة أحد مراتب التوحيد التي لا محيص للمسلم من تعلّمه ، ثمّ عقد القلب عليه ، والتحرر من أيّ لون من ألوان الشرك. فلا تُنال تلك الأُمنيةُ في مجالي العقيدة والعمل إلّا