مجرّداً عن الخضوع العملي أو اللفظي ، يستلزم كونَ صاحبه مشركاً في العقيدة لا مشركاً في العبادة ، وإنّما يكون مشركاً فيها إذا انضمّ إلى العقيدة ، خضوع عملي كما أنّ مجرّدَ الخضوع النابع عن الحب والعطف ، يكون تكريماً وتبجيلاً ، وخضوعاً وتذلّلاً لا عبادة ، وربما يكون حلالاً ومباحاً ويعدّ مَظْهَراً للتكريم وسبباً لإظهار الحبّ والودّ ، وربما يكون حراماً كالسجود للمحبوب بما أنّه جميل ، لا لأنّه إله وربّ أو بيده مصيره ، ومع ذلك فالسجود لمثله حرام حسب ما ورد في السنّة وإن لم يكن عبادة وكونه مثلها في الصورة لا يُدخله في عنوانها لأنّ العبرة بالنيّات والبواطن ، لا بالصور والظواهر.
أمّا العنصر الثاني : فلم يختلف في لزوم وجوده اثنان إنّما الكلام في مدخلية العنصر الأوّل في صدق العبادة ودخوله في واقعها ونحن نستدل على مدخليته بطريقين :
الأوّل : التمعن في عبادة الموحّدين والمشركين
إنّ الإمعان في أعمالهم ، يدلُّ بوضوح على أنّ خضوعهم جميعاً لم يكن منفكّاً عن الاعتقاد بأُلوهية معبوداتهم وربوبيتها وكانت تلك العقيدة هي التي تَجرُّهم إلى الخضوع والتذلل أمامها ولولاها لم يكن لخضوعهم وجه ولا سبب فالموحِّد يخضع أمام الله لاعتقاده بأنّه خالق ، بارئ ، مبدع ، ومصور ، مدبّر ، ومتصرّف ، وبكلمة جامعة : إنّه إله العالمين إلى غير ذلك من الشئون ، فمن هذا الاعتقاد ، ينشأ الخضوع والتذلل.
والمشرك يخضع أمام الأصنام والأوثان ، أو الأجرام السماوية ، لاعتقاده بأنّها آلهة وأرباب بيدها مصيره في الدنيا والآخرة ولذلك كانوا يستمطرون بها ، ويطلبون منها الشفاعة والمغفرة وبذلك صاروا آلهة وأرباباً.
إنّ الموحّد يرى أنّ العزّة بيد الله سبحانه وهو القائل عزّ من قائل : (فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) (فاطر / ١٠) (وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ) (آل عمران / ٢٦)