الثالثة : التوحيد في الربوبية والتدبير
والمراد منه أنّ للكون مدبّراً ومتصرفاً واحداً لا يشاركه في التدبير شيء فهو سبحانه المدبّر للعالم ، وأنّ تدبير الملائكة وسائر الأسباب إنّما هو بأمره سبحانه ، وهذا على خلاف ما ذهب إليه أكثر المشركين حيث كانوا يعتقدون بأنّ ما يرتبط بالله سبحانه وتعالى هو الخلق والإيجاد والإبداع وأمّا تدبير الأنواع والكائنات الأرضية فقد فوّض إلى الأجرام السماوية والملائكة والجنّ وسائر الموجودات الروحية وغير ذلك ممّا تحكي عنه الأصنام المعبودة ، وليس لله سبحانه أيّ مدخلية في أمر تدبير الكون وإرادته وتصريف شئونه.
إنّ القرآن الكريم ينص ـ بمنتهى الصراحة ـ على أنّ الله هو المدبر للعالم وينفي أيّ تدبير لغيره وإذا كان هناك مدبر سواه فإنّما هو جندي من جنوده ، مأمور بالعمل بأمر منه سبحانه :
(إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (يونس / ٣).
وقال سبحانه : (اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) (الرعد / ٢).
فإذا كان هو المدبّر وحده فيكون معنى قوله سبحانه : (فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) (النازعات / ٥) وقوله سبحانه : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً) (الأنعام / ٦١) ، إنّ هؤلاء مدبرات بأمره ، وحفظة للإنسان وإرادته فلا ينافي ذلك انحصار التدبير بالله.