الربوبية بمعنى الخالقية استلزم ذلك أن يكون في تلك البيئة من يخالفون النبيّ في الخالقية ، ولكن الفرض هو عدم وجود أيّ اختلاف في مسألة «توحيد الخالقية» في عصر الرسالة فلم يكن المشركون في ذلك العصر مخالفين في هذه المسألة ليعتبروا مخالفين للميثاق المذكور ، فلا محيص ـ حينئذٍ ـ من أنّ الخلاف كان ـ آنذاك ـ في مسألة تدبير العالم وإدارة الكون.
وبهذا التقرير يكون معنى الربّ في الآية المبحوثة هنا هو المدبّر.
ه : (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ) (غافر / ٢٨).
تتعلق هذه الآية بمؤمن آل فرعون الّذي كان يدافع عن النبيّ موسى عليهالسلام وراء قناع النصيحة والصداقة لآل فرعون ويسعى تحتَ ستار الموافقة لهم أن يدفع الخطر عن ذلك النبيّ العظيم. وأمّا دلالتها على كون الربّ بمعنى المدبّر فواضحة ، لأنّ فرعون ما كان يدّعي انّه خالق الأرض والسماء ولا الشركة مع الله سبحانه في خلق العالم وإيجاده ، وهذه حقيقة يدلّ عليها تاريخ الفراعنة أيضاً. وفي هذه الصورة يجب أن يكون المراد من دعوة النبيّ موسى بقوله : ربّي الله ، هو حصر «التدبير» في الله سبحانه لا مسألة الخلق. ولو كانت تتعلق بمسألة الخلق والإيجاد لما كان بينه وبين فرعون أيّ خلاف ونزاع ، إذ المفروض أنّ فرعون كان يعترف بخالقية الله ـ كما أسلفنا ـ هذا مضافاً إلى أنّ الله تعالى يقول في الآية السابقة لهذه الآية.
و : (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ) (غافر / ٢٦).
فانّ التوحيد في الخالقية لم يكن موضع خلاف لتكون دعوة موسى لبني إسرائيل سبباً لأيّ تبدّل وتبديل.