وكذلك من يخاف أحداً يرى انّ سخطه يجرّ عليه الضرر ومرضاته تجلب له المنفعة فلا يكون مصدر اعتقاده ذلك وعمله إلّا ما يكون في ذهنه من تصوّر أنّ له نوعاً من السلطة على هذا الكون فلا يبعثه عليه إلّا اعتقاده فيه انّ له شركاً في ناحية من نواحي السلطة الأُلوهية. (١)
أنّ ما ذكره من مبدأ التوسل وانّه الاعتقاد بأنّ للمتوسل به نوعاً من السلطة على هذا الكون ، إنّما ينطبق على توسل المشركين بأصنامهم وأوثانهم فقد كانوا معتقدين بمالكيتها لبعض الشئون الإلهية ولا أقلّ سلطنتها على الغفران والشفاعة النافذة وأين ذلك من توسل المسلمين بأحباء الله بما انّهم عباده الصالحون لو دَعوا لأجيبوا بتفضل منه سبحانه لا الزاماً وايجابا ـ والدليل على ذلك انّه سبحانه دعى في غير واحدة من الآيات إلى التوسل بالنّبي فقال سبحانه : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) (النساء / ٦٤) حتى انّه سبحانه ذمّ المنافقين لأجل اعراضهم عن النبي وعدم طلبهم استغفاره قال سبحانه : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) (المنافقون / ٥).
ومن يتوسل من المسلمين بعد رحيل نبيهم الأكرم فإنّما يتوسل بنفس ذلك الملاك الموجود في زمن حياته لا بملاك انّه مسيطر على العالم ، واختصاص الآية ـ على زعمهم ـ بحياة النبيّ لا يضر بالاستدلال ، لانّ الهدف هو انّ الداعي للتوسل في كلتا الفترتين أمر واحد سواء اختصت الآية بفترة الحياة أم لا.
انّ الكاتب المودودي أخذ البريء بجرم المعتدى فنسب عقيدة الوثنيّين إلى المسلمين وجعل الدعوتين من باب واحد وصادرتين من منشأ فارد وليس هذا إلّا قضاءً بالباطل ولا تزر وازرة وزر أُخرى.
__________________
(١) المودودي : المصطلحات الأربعة / ١٨ ـ ١٩.