صار بالفعل من جميع الجهات ولم يبق فيه قوّة واستعداد فلا حاجة الى تأويل في هذا الدّعاء (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) لسان الصّدق يستعمل في القول الحسن والثّناء الجميل والإنسان المعبّر عن الشّخص في غيابه وحضوره وقد فسّر هاهنا بكليهما ففي خبر : لسان الصّدق للمرء يجعله الله في النّاس خير له من المال يعنى ذكر خير وقول حسن وثناء جميل خير من المال يأكله ويورثه ، وقد فسّر بمحمّد (ص) وعلىّ (ع) والائمّة من نسلهما (وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ وَاغْفِرْ لِأَبِي) حتّى تهديه الى الطّريق القويم (إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) عن الطّريق وكان دعاؤه (ع) هذا الاحتمال الهداية له وللوعد الّذى وعده فلمّا تبيّن له انّ فطرته منقطعة وانّه عدوّ لله بالذّات والفطرة تبرّأ منه (وَلا تُخْزِنِي) من الخزي بمعنى الهوان أو من الخزاية بمعنى الحياء (يَوْمَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ) فانّ النّسب الاعتباريّة الّتى كانت للإنسان تصير منقطعة في ذلك اليوم لانقطاع الجسم واعتباراته (إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) استثناء مفرّغ اى لا ينفع مال ولا بنون أحدا الّا من أتى الله بقلب سليم فانّ السّليم القلب ماله وأولاده كما ينفعانه في الدّنيا ينفعانه في الآخرة فانّهما فتنة من الله لعباده فمن امتحنه الله تعالى بهذه الفتنة والامتحان وخرج منها سليم القلب صار ممّن امتحن الله قلبه للايمان ودخل في زمرة المؤمنين الممتحن قلوبهم للايمان ولحق بالسّابقين ، ونعم ما قيل :
مال را كز بهر دين باشى حمول |
|
نعم مال صالح گفت آن رسول |
چيست دنيا از خدا غافل شدن |
|
نى قماش ونقره وفرزند وزن |
آب در كشتى هلاك كشتى است |
|
آب در بيرون كشتى پشتى است |
ولذلك منع تعالى من الإنفاق في غير المحلّ فقال ولا تؤتوا السّفهاء أموالكم الّتى جعل الله لكم قياما وقد قيل :
منفق وممسك محل بين به بود |
|
چون محل باشد مؤثّر مى شود |
اى بسا إمساك كز إنفاق به |
|
مال حق را جز بأمر حق مده |
ويجوز ان يكون الاستثناء متّصلا من المال والبنون بتقدير مضاف اى لا ينفع مال ولا بنون الّا مال من أتى الله بقلب سليم وبنوه ، أو متّصلا من البنين بدون التّقدير ، ويجوز ان يكون منقطعا ، وسلامة القلب بان يكون القلب سالما من الآفات الحادثة من الرّذائل خاليا من الرّذائل ، وفي خبر : هو القلب الّذى سلم من حبّ الدّنيا ، وفي خبر : القلب السّليم الّذى يلقى ربّه وليس فيه سواه ، قال : وكلّ قلب فيه شرك أو شكّ فهو ساقط وانّما أرادوا بالزّهد في الدّنيا لتفرغ قلوبهم للآخرة ، وفي خبر : صاحب النّيّة الصّادقة صاحب القلب السّليم لانّ سلامة القلب من هواجس المذكورات تخلص النّيّة لله في الأمور كلّها ثمّ تلا هذه الآية (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ) حال بتقدير قد أو عطف على جملة يبعثون ، والإتيان بالماضي للاشعار بتحقّق وقوعه (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ) وفي اختلاف الفعلين اشارة الى تشريف المتّقين لانّه يقرب الجنّة منهم لا انّهم يساقون إليها ، والى توهين الغاوين بانّ الجحيم تبرز لهم وهم يساقون إليها لا انّها تزلف لهم (وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ) لفظة ما زائدة أو موصولة (مِنْ دُونِ اللهِ) قائم مقام المفعول على الاوّل وحال على الثّانى عن العائد المحذوف أو ظرف لغو متعلّق بتعبدون والمعنى أينما كنتم تعبدون من دون اذن الله (هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ) بدفع العذاب عنكم أو انجائكم من معذّبيكم (أَوْ يَنْتَصِرُونَ) أو ينتقمون من معذّبيكم أو يدفعون العذاب من أنفسهم بأنفسهم أو بغيرهم على ان يكون مطاوع نصر (فَكُبْكِبُوا فِيها) اى أسقط الآلهة على رؤسهم أو على وجوههم في الجحيم (هُمْ وَالْغاوُونَ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ) من بنى آدم