من كتب السّابقين (مِنْ قَبْلِهِ) اى من قبل القرآن (مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ) اى القرآن أو الكتاب المطلق (بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) يعنى لكان ارتيابهم في موقعه والّا فهم كانوا مرتابين ومن أعظم آيات صدقه في دعواه انّه (ص) كان يتيما فقيرا راعيا لم يختلف الى معلّم ولم يختلط مع عالم ولم يتعلّم الخطّ ولم يكن في كتّاب وقد جاء بكتاب وشريعة قد حار في درك دقائقهما الحكماء ، وعجز عن استقصاء العلوم المندرجة فيهما العلماء ، واستحضر عن بلوغ لطائفهما العرفاء ، واعترف ببراعة كتابه في البلاغة البلغاء ، وعن مولانا ومقتدانا علىّ بن موسى الرّضا (ع) : ومن آياته انّه كان يتيما فقيرا راعيا أجيرا لم يتعلّم كتابا ولم يختلف الى معلّم ثمّ جاء بالقرآن الّذى فيه قصص الأنبياء (ع) وأخبارهم حرفا بحرف ، واخبار من مضى ومن بقي الى يوم القيامة (بَلْ هُوَ) اى كتاب النّبوّة أو كتاب الولاية والقرآن صورتهما وهو اضراب عن قوله تعالى : (فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) (الآية) فانّه لا يدلّ على أزيد من الايمان التّقليدىّ وهذا يدلّ على الايمان التّحقيقىّ بالكتاب بل على التّحقّق بالكتاب على طريقة اتّحاد العاقل والمعقول يعنى هو بنفسه (آياتٌ) دالّات على المبدء وصفاته وعلى الرّسالة وأحكامها وصدق الآتي ، أو المراد انّ صاحب الرّسالة وصاحب الولاية بولايتهما ونورانيّتهما آيات (بَيِّناتٌ) واضحات أو موضحات (فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) لم يقل في صدور الّذين كسبوا العلم اشعارا بانّ العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء وليس يحصل بكسب ، نعم الكسب يعدّ الرّجل لقذف هذا العلم ، وأتى بالفعل مبنيّا للمفعول للاشارة الى انّ الفاعل لا يحتمل ان يكون غير الله تعالى والمراد بمن أوتوا العلم هم الأوصياء (ع) كما في اخبار كثيرة عنهم (ع) (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ) كرّر هذا للاهتمام بالتّعريض بالامّة واشعارا بانّ الجاحد كما انّه كافر ظالم أيضا (وَقالُوا) عطف بلحاظ المعنى كأنّه قال جحد الظّالمون الآيات وقالوا (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ) لهم بالتّنزّل عن مقامك الولوىّ وبإظهار العجز بحسب مقامك البشرىّ (إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ) وليس شيء منها عندي حتّى آتى بمقترحكم (وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) ظاهر أو مظهر لإنذاري وصحّته وقد مضى انّ الرّسول (ص) لا بدّ وان يكون ذا شأنين ، شأن الإنذار برسالته وشأن التّبشير بولايته لكنّه لمّا كان شأن الرّسالة فيه غالبا كان قد يتكلّم بشأن الرّسالة ويحصر شؤنه فيه كما انّه حصر جملة شؤنه هاهنا في الإنذار الّذى هو شأن الرّسالة لا الولاية (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ) انّك كنت يتيما غير مختلف الى أحد ولم تتعلّم من أحد ولم يكفهم في الدّلالة على صدقك حتّى يقترحوا آية اخرى (أَنَّا) لا غيرنا (أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ) احكام الرّسالة أو صورة القرآن مع انّك كنت أمّيّا وكتابك كان مشتملا على دقائق الحكم بحيث يعجز عن إدراكها العقلاء والحكماء حالكونهم (يُتْلى عَلَيْهِمْ) وليس مخفيّا عليهم (إِنَّ فِي ذلِكَ) الانزال أو في ذلك الكتاب أو في ذلك المذكور من استمرار تلاوة الكتاب (لَرَحْمَةً) من حيث دلالته على صدق رسالتك (وَذِكْرى) لحقّيّتك اى دلالة حقّيّتك (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) بإحدى البيعتين أو لقوم يذعنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، واللّام لتبيين مفعول الرّحمة والذّكرى يعنى غير المؤمنين لكونهم غير متوجّهين الى الآخرة وغير مهتمّين بالله وبمن يدعو الى الله لا يتأمّلون فيه ولا يتفكّرون في دلالته فيستمعونه استماع الأسمار فلا ينتفعون به ولا يتذكّرون ، روى انّ أناسا من المسلمين أتوا رسول الله (ص) بكتف كتب فيها بعض ما يقوله اليهود فقال: كفى بها ضلالة قوم ان يرغبوا عمّا جاء به غير نبيّهم الى ما جاء به غير نبيّهم فنزلت الآية (قُلْ) لهم بعد ما لا ينفع فيهم هذه الآيات إظهارا لاعراضك عنهم والتجائك الى ربّك حتّى يكسر سورة لجاجهم فانّ الإصرار على الدّعوة مع اللّجوج يزيد في لجاجته (كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً) فان كنت كاذبا يعلم كذبي