(بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا) اى جزاء بعض أعمالهم فانّ جزاء الكلّ لا يكون الّا في الآخرة (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) عن المعاصي (قُلْ) يا محمّد (ص) (سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ) كانوا يعملون السّيّئات فأذاقهم الله بعض جزائها حتّى تعتبروا بذلك وتتيقّنوا بانّ الأعمال لا تكون بلا جزاء لا في الدّنيا ولا في الآخرة ، وقد سبق مكرّرا تفسير الأرض بأرض العالم الصّغير والعالم الكبير وارض القرآن والاخبار والسّير الماضية (كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ) يعنى انّ شركهم ابتلاهم بسوء العاقبة في الدّنيا والآخرة فانتهوا عن الشّرك واحذروا عن سوء عاقبته (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ) كرّره لانّ كلّ واحد تفريع على امر وللاهتمام بإقامة الوجه للدّين ، ولانّ الاوّل خطاب له (ص) وهذا خطاب له وتعريض بامّته (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ) اى لا يردّه الله أو لا يردّه ولا يمنعه أحد من تصريف الله (يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ) يتصدّعون اى يتفرّقون وقد مضى بيانه في هذه السّورة عند قوله ويوم تقوم السّاعة يومئذ يتفرّقون (مَنْ كَفَرَ) بيان لتفرّقهم أو بيان لعلّة تفرّقهم (فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) اى يسوّون منازلهم في الجنّة ويصلحونها بأعمالهم لأنفسهم لا لغيرهم ، عن الصّادق (ع) انّه قال : انّ العمل الصّالح ليسبق صاحبه الى الجنّة فيمهّد له كما يمهّد لأحدكم خادمه فراشه (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا) علّة لاقم وجهك أو للقيّم أو ليأتى يوم أو لقوله لا مردّ له أو ليصدّعون والمراد بالايمان الايمان العامّ الحاصل بالبيعة العامّة النّبويّة وقبول الدّعوة الظّاهرة ، وبالعمل الصّالح الايمان الخاصّ الحاصل بالبيعة الخاصّة الولويّة وقبول الدّعوة الباطنة ، أو المراد بالايمان الايمان الخاصّ الحاصل بالبيعة الولويّة ويكون قوله (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) اشارة الى العمل بما أخذ عليه في عهده وبيعته (مِنْ فَضْلِهِ) يعنى لا يكون جزاؤهم بسبب عملهم فانّه لا يدخل أحد الجنّة بعمله بل يكون بمحض فضله (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) سوق العبارة كان مقتضيا ان يقول : ويجزى الّذين كفروا لكنّه عدل الى هذا اشارة الى انّ جزاء الكافرين ليس من الغايات بالذّات انّما هي من تبعة أعمالهم وكفرهم وقد مضى مكرّرا انّ أمثال هذا يستعمل في معنى يبغضهم وان كان بمفهومه اعمّ منه (وَمِنْ آياتِهِ) الجملة معطوفة على جملة الله الّذى خلقكم فانّه في معنى من آياته ان خلقكم ثمّ رزقكم ثمّ أماتكم (الى آخرها) (أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ) يعنى إرسال الرّياح لحمل السّحاب وتحريكه الى ما اراده من الأمكنة ثمّ امطار الأمطار وتوسعة الرّزق عليكم بها من جملة آياته الدّالّات على مبدء عليم حكيم قدير مريد رؤف رحيم (وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ) عطف على مبشّرات فانّه في معنى ليبشّركم به (وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ) اى بأمره للرّياح فانّه لو لا الرّياح لما جرى الفلك على متن الماء سواء كان تلك الرّياح بأمر من الله أو بصنع من النّاس كالفلك الّتى تجري بالابخرة المصنوعة (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) يجرى الفلك في البحر أو بمطلق ما يحصل من الأمطار والرّياح (وَلَعَلَّكُمْ) تتنبّهون بانّ تلك النّعم من الله وان لا يقدر أحد على أمثاله ف (تَشْكُرُونَ) نعمه (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) كما أرسلناك الى قومك فجئتهم بالبيّنات فكذّب الأقوام رسلهم كما كذّبك قومك (فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) من أقوام الرّسل فليحذر قومك من تكذيبك ومن انتقامنا ، واصبر أنت والمؤمنون على أذاهم فانّا ننصركم وننتقم من المجرمين (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) ومن كان حقّا على الله ان ينصره على عدوّه فلا يحزن من معاداة أحد وهو تسلية تامّة للمؤمنين وتقوية لقلوبهم وتفخيم لشأنهم من حيث انّه تعالى جعلهم