وتسخّرهم لغيرهم (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) بالبيعة الخاصّة فانّه بهذا الايمان يفتح باب القلب وبفتحه يدرك من الآيات حيثيّة كونها آيات (فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) يعنى إذا كان البسط والتّقدير بيده تعالى فلا تبخل بما في يدك وآت كلّ ذي حقّ حقّه وقد مضى الآية مع تفصيل في تفسيرها في اوّل سورة بنى إسرائيل (ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ) يعنى إعطاء الحقّ لذي الحقّ ومنه إعطاء الامامة لعلىّ (ع) وإعطاء السّعة في الصّدر والقلب لمستحقّيها خير للسّالكين الى الله والطّالبين لوجهه الّذى هو ملكوت ولىّ أمرهم ، وان كان شرّا للمنافقين الّذين رضوا بالحيوة الدّنيا واطمأنّوا بها (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) فانّ الفلاح منحصر في البائعين بالبيعة الخاصّة السّالكين الى الله تعالى الطّالبين لظهور ملكوت ولىّ أمرهم (وَما آتَيْتُمْ) هذا خبر في معنى النّهى ولذلك حسن عطفه على الأمر ، ولمّا كان النّبىّ (ص) أصلا في الخطاب الاوّل بل كان أصل الحقوق الخلافة وكان إعطاؤه منحصرا فيه (ص) خصّه هناك بالخطاب ، ولمّا كان المنظور من الحكم الثّانى أمّته جمعهم معه بالخطاب أو صرف الخطاب عنه (ص) إليهم (مِنْ رِباً) ما من شأنه ان يردّ مع الزّيادة من قرض أو هديّة لقصد العوض ، وخصّ هذا في الاخبار بالهديّة الّتى يتوقّع المكافاة عليها بأزيد منها فانّه ورد عن الصّادق (ع) قال : الرّبا رباءان ، ربا يؤكل وربا لا يؤكل ، فامّا الّذى يؤكل فهديّتك الى الرّجل لتصيب منه الثّواب أفضل منها فذلك الرّبا بالّذى يؤكل وهو قول الله عزوجل وما آتيتم من ربا (الآية) وامّا الّذى لا يؤكل فهو الّذى نهى الله عنه وأوعد عليه النّار ، وعن الباقر (ع) هو ان يعطى الرّجل العطيّة أو يهدى الهديّة ليثاب أكثر منها فليس فيه أجر ولا وزر ، وقرئ : أتيتم بالقصر بمعنى ما جئتم اليه لاعطائه من ربا (لِيَرْبُوَا) قرئ بالياء التّحتانيّة مفردا من الثّلاثىّ المجرّد ، وبالتّاء الفوقانيّة جمعا من باب الأفعال (فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ) اى هديّة أو صدقة أو قرض (تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ) قد مضى قبيل هذا انّ المراد بوجه الله هو ملكوت ولىّ الأمر (فَأُولئِكَ) التفات من الخطاب الى الغيبة تفخيما لهم بالإتيان باسم الاشارة البعيدة (هُمُ الْمُضْعِفُونَ) يعنى انّه يربو عند الله ويربو في الدّنيا ، فعدل عن يربو عند الله للاشارة الى الزّيادة في الدّنيا وفي الآخرة ، عن أمير المؤمنين (ع) : فرض الله الصّلوة تنزيها عن الكبر ، والزّكاة تسبيبا للرّزق ، وعن الصّادق (ع) : على باب الجنّة مكتوب : القرض بثمانية عشر ، والصّدقة بعشرة ، ولا اختصاص للرّبا بالمال ولا للزّكوة بل يجريان في الأعمال والعرض والجاه والقوى وقوّتها (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ) جملة منقطعة عن سابقها (ثُمَّ رَزَقَكُمْ) فما لكم تبخلون (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) فما لكم تجمعون وتدخّرون (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) فما لكم لا تدّخرون لحيوتكم الباقية بالإعطاء من الفانيات والارباء عند الله (هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ) الزام لهم على الإقرار بعجز الشّركاء وابطال شراكتهم (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) قرئ بالغيبة والخطاب (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) الفساد ضدّ الصّلاح وهو في كلّ شيء ان يكون على ما يقتضيه طبيعته ، والفساد ان يكون خارجا عمّا يقتضيه طبيعته ، وقد يستعمل الفساد في أخذ المال ظلما وفي الجدب والمراد بظهور الفساد كثرته بحيث لم يكن من شأنه ان يكون مخفيّا أو غلبته على الصّلاح ، أو على العدل أو على الرّخاء ، والمراد بالبحر نفس البحر أو القرى الواقعة فيها وعلى سواحلها (بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) يعنى انّ الفساد في الأرض ليس الّا بشوم اعمال الاناسىّ فيها سواء أريد بالفساد خروج الأشياء عن المجرى الطّبيعىّ أو الظّلم والجدب ، قال الصّادق (ع) : حيوة دوابّ البحر بالمطر فاذا كفّ المطر ظهر الفساد في البرّ والبحر وذلك إذا كثرت الذّنوب والمعاصي ، وقال الباقر (ع) : ذلك والله حين قالت الأنصار : منّا أمير ومنكم أمير (لِيُذِيقَهُمْ) الله أو الفساد