وطريقه ، أو منيبين الى الله فانّ الانابة الى طريق القلب والانابة الى الله والانابة الى القلب شيء واحد والتّفاوت اعتبارىّ وهو حال من فاعل أقم بضميمة الامّة الى الرّسول (ص) أو من النّاس (وَاتَّقُوهُ) اى الدّين أو الله (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) قد مضى معنى الصّلوة وإقامتها في اوّل البقرة (وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) بالله في الوجوب أو في العبادة أو في الطّاعة أو في الدّين أو في اقامة الصّلوة (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ) اى طريق توجّههم أو طاعتهم أو صلوتهم أو ولايتهم بان اتّخذ كلّ منهم طريقا أو طاعة أو صلوة غير ما للآخر ، فاختلف كلّ مع الآخر ، أو فرّق كلّ دينه بان جعل لنفسه طرقا عديدة أو طاعات عديدة (الى الآخر) ، أو فرّق كلّ دينه على اهوية عديدة كرجل متشاكس فيه رجال ، وقرئ فارقوا دينهم اى طريقهم الانسانىّ الّذى فطرهم الله عليه وهو الولاية التّكوينيّة أو فارقوا ولايتهم التّكليفيّة بعدم العمل بما وصل إليهم من ولىّ أمرهم ، أو فارقوا عليّا (ع) وقد سبق في آخر سورة الانعام بيان تامّ لهذه الآية (وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) الجملة حاليّة أو صفة لشيعا ، أو مستأنفة لبيان حالهم ، أو التّعليل لتفرّقهم.
اعلم ، انّ الإنسان لمّا كان فطريّ التّعلّق فان تنبّه وعلم انّ كمالاته الانسانيّة غير حاصلة له وانّ ما هو الحاصل له ليس كمالا كاملا له ، بل له كمالات مفقودة غير متناهية فان افتقد ما فقده ولم يكن المفتقد الّا السّالك الى الله بقدم الصّدق لم يكن فرحا بما عنده بل كان منزجرا مدبرا عنه ، ومن لم يكن مفتقدا لما فقده لم يكن له تعلّق الّا بما كان حاصلا له من الكمالات الصّوريّة من العلوم والعقائد والصّفات والأخلاق والمكاشفات والأموال والأولاد فكان كلّ حزب بما لديهم فرحون حتّى الكنّاس بكماله في كنسه ، والسّاحر في سحره ، والتّاجر في تجارته ، والعالم في علمه ، والعابد في عبادته ، والزّاهد في زهده ، والعارف في عرفانه (وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) لما يرتفع حينئذ حجاب النّفس ومانع الرّجوع والسّلوك الى الله (ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً) نعمة بعد الخلاص من ذلك الضّرّ (إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ) لا كلّهم لانّ بعضهم لا يغلب عليهم الواهمة ولا تمنعهم من شكر النّعمة كما كانوا حال الضّرّ لا يمنعهم الواهمة عن الالتجاء ودعاء كشف الضّرّ (بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) بربّهم المطلق يسوّون الأصنام والكواكب والاهوية ، أو بربّهم المضاف يسوّون غير ولىّ أمرهم (لِيَكْفُرُوا) اى بحصول كفرانهم ، أو اللّام للغاية وليست داخلة على العلّة الغائية يعنى فيحصل لهم بعد الإشراك الكفران (بِما آتَيْناهُمْ) من كشف الضّرّ والنّعمة (فَتَمَتَّعُوا) التفات للمبالغة في التّهديد (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) انّ اشراككم أو تمتّعكم كان وبالا عليكم (أَمْ أَنْزَلْنا) بل أنزلنا (عَلَيْهِمْ سُلْطاناً) حجّة أو ذا سلطنة من الملائكة (فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ) لفظة ما موصولة أو مصدريّة والمعنى فهو يتكلّم بالاشراك الّذى كانوا يشركون ، أو باشراك شريك كانوا به يشركون ، أو بكونهم الله يشركون ، أو بكونهم بعلىّ (ع) يشركون في الولاية وهذا هو المنظور (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً) نعمة وسعة في المال والأولاد أو صحّة في الجسم والأولاد (فَرِحُوا بِها) لتعلّقهم بما عندهم من النّفس وقواها وملائماتها (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) من رحمة الله (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) حتّى يشكروا في السّرّاء ويسألوا في الضّرّاء ولا يفرحوا بالموجود ولا ييأسوا حين فقدانه (إِنَّ فِي ذلِكَ) اى في اختصاص البسط والتّقدير بالله تعالى الّذى من شأنه ان يراه كلّ راء لظهور آثاره من حيث انّه يرى انّ صاحبي الحيل الدّقيقة في تحصيل المعيشة محرومون عن السّعة في المعيشة وصاحبي البلاهة والبلادة مرزوقون سعة المعيشة (لَآياتٍ) عديدة دالّة على علمه تعالى وعنايته بخلقه وتدبيره لهم وحكمته في تدبيره وعجزهم عن تحصيل ما أرادوا