شركاء لخوفكم ، أو المعنى فأنتم ومماليككم في الرّزق سواء من كلّ الجهات سوى اعتبار نسبة المالكيّة إليكم وتخافونهم كخيفتكم من الأحرار ، وينبغي لكم ان ترضوا بشراكتكم ولا ترضون فكيف يرضى الله بشراكة مماليكه له مع انّهم ليسوا مساوين له بجهة من الجهات ولا يخافهم بشيء من الخوف (كَذلِكَ) التّفصيل والتّمثيل لاشراكهم (نُفَصِّلُ الْآياتِ) في كلّ شيء (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) يحقّقون في العلم والإدراك بعد ما خرجوا من مقام التّقليد أو لقوم يدركون ادراك الإنسان لا ادراك الحيوان سواء كان ذلك الإدراك تقليدا أو تحقيقا ، فانّ التّعقّل يستعمل في الإدراك الانسانىّ المطلق كما يستعمل في الإدراك العقلانىّ الّذى لا يكون الّا بالتّحقيق دون التّقليد ، قيل : كان سبب نزولها انّ قريشا والعرب كانوا إذا حجّوا يلبّون وكانت تلبيتهم لبّيك لبّيك لا شريك لك لبّيك انّ الحمد والنّعمة لك والملك لا شريك لك ، وهي تلبية إبراهيم والأنبياء (ع) فجاءهم إبليس في صورة شيخ فقال لهم : ليست هذه تلبية اسلافكم قالوا : وما كانت تلبيتهم؟ ـ قال : كانوا يقولون : لبّيك اللهمّ لبّيك لا شريك الّا شريكا هو لك ، فتفرّق قريش من هذا القول فقال لهم إبليس : على رسلكم (١) حتّى آتى على آخر كلامي ، فقالوا : ما هو؟ فقال : الّا شريك هو لك تملكه وما يملكك ، الا ترون انّه يملك الشّريك وما ملكه ، فرضوا بذلك وكانوا يلبّون بهذا قريش خاصّة فلمّا بعث الله عزوجل رسوله (ص) أنكر ذلك عليهم وقال : هذا شرك فأنزل الله تعالى : (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ) اى ترضون أنتم فيما تملكون ان يكون لكم فيه شريك وإذا لم ترضوا أنتم ان يكون لكم فيما تملكون شريك فكيف ترضون ان تجعلوا لي شريكا فيما أملك (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) وهذا اضراب عن مقدّر كأنّه قيل : هل لهم برهان مع وضوح بطلان الإشراك؟ ـ فقال : ليس لهم برهان بل اتّبع الّذين ظلموا أنفسهم بالاشراك بالله ما لم يأذن به الله ، ووضع الظّاهر موضع المضمر ذمّا لهم بذلك (أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ) يعنى فأضلّهم الله بالخذلان ولا يهدى أحد من اضلّه الله (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) ينصرونهم من عذاب الله (فَأَقِمْ) اى إذا لم تكن تهدى من اضلّ الله ولم تكن تنصرهم فلا تحزن عليهم وانصرف عن الاهتمام بالخلق وأقم عن الانحراف لهم (وَجْهَكَ لِلدِّينِ) اى الطّريق الى الله (حَنِيفاً) ظاهرا أو خالصا وهو حال عن الوجه ، أو عن المضاف اليه الوجه ، أو عن الدّين والمراد بالدّين هو الطّريق الى الله التّكوينىّ وهو الولاية التّكوينيّة أو الطّريق الى الله التّكليفىّ وهو الولاية التّكليفيّة وقد فسّر اقامة الوجه للدّين بإقامته في الصّلوة جانب القبلة من غير التفات الى اليمين والشّمال وبالولاية (فِطْرَتَ اللهِ) منصوب على الإغراء أو على المدح أو بتقدير خذ ، أو مصدر لفعل محذوف دلّ عليه المذكور بعده ، والفطرة هي الخلقة الّتى خلق النّاس بل جميع الموجودات عليها وهي الولاية السّارية في كلّ الموجودات تكوينا المطابق لها الولاية التّكليفيّة الّتى كلّف بها جميع الاناسىّ (الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) والتّفاسير المختلفة الّتى وردت عن المعصومين (ع) في الآية راجعة الى ما ذكرنا (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) فلا تحزن على ما قالوا في وصيّك ومنعه عن مقامه فانّه لا يقدر أحد على تبديل الولاية التّكوينيّة والتّكليفيّة (ذلِكَ) المذكور من اقامة الوجه للدّين أو ذلك الدّين الحنيف أو الولاية التّكليفيّة هو (الدِّينُ الْقَيِّمُ) لا غير (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) انّ الدّين القيّم هو الولاية الّتى هي الطّريق الى الله فلذلك تمسّكوا بصورة الإسلام وتوقّفوا عليها واهتمّوا بها واعرضوا عن الولاية الّتى هي الدّين حقيقة ، وصورة الإسلام ليست الّا هداية إليها (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) الى هذا الدّين الّذى هو الطّريق من القلب الى الله فانّهم على الاستمرار في الانابة من الكثرات اليه بصنع الله الّذى اتقن كلّ شيء فانّهم على الدّوام في الزّكاة الّتى هي تصرّم الفعليّات النّاقصة وبذلها تكوينا والصّلوة الّتى هي التّلبّس بالفعليّات الكاملة الّتى هي الانابة الى القلب
__________________
(١) اى قفوا مكانكم واستمعوا حتّى يتمّ كلامي.