لا يخرج تلك الكلمات الغير المتناهية الّا بقدر استعداد موادّها واستحقاق أعيانها الثّابتة (ما خَلْقُكُمْ) جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : ان كانت الكلمات غير متناهية فكيف يحاسب الله تعالى كلّها في يوم واحد؟ ـ فقال : ما خلقكم جميعا (وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) اى كخلق نفس واحدة وبعثها ، وقيل : بلغنا والله اعلم انّهم قالوا : يا محمّد (ص) خلقنا أطوارا نطفا ثمّ علقا ثمّ انشأنا خلقا آخر كما تزعم وتزعم انّا نبعث في ساعة واحدة ، فقال الله : ما خلقكم ولا بعثكم الّا كنفس واحدة انّما يقول له كن فيكون (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) جواب سؤال مقدّر في مقام التّعليل يعنى انّه سميع لكلّ مسموع ، بصير لكلّ مبصر ، فانّ حذف المفعول ليس الّا للتّعميم ومن كان كذلك كان لا يشغله شأن عن شأن فلا يمنعه خلق نفس ولا بعثها عن خلق اخرى وبعثها (أَلَمْ تَرَ) الخطاب عامّ أو خاصّ بمحمّد (ص) والجملة جواب لسؤال آخر مقدّر في مقام التّعليل للجملة الاولى أو لقوله : (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) قد مضى بيان إيلاج اللّيل والنّهار في آل عمران (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي) جملة حاليّة أو مستأنفة لبيان حالهما (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) يعنى كلّ يجرى دورة الفلك الى وقت معيّن مضبوط بحيث يستخرج المستخرجون دوراتهما ومدّة دوراتهما سنين قبل وقوعها ولا يقع تخلّف في استخراجهم ، أو المعنى كلّ يجرى الى أجل مسمّى عند الله وهو وقت خراب الدّنيا وطىّ السّماء كطىّ السّجلّ للكتب (وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) وليس هذا الّا لانّ الله لا يشغله شأن عن شأن ولا وصف عن وصف ولا علم عن علم (ذلِكَ) العلم بكلّ شيء وإيلاج اللّيل في النّهار والنّهار في اللّيل وتسخير الكواكب (بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ) بحقيقة الحقّيّة فانّ الحقّ بحقيقة الحقّيّة كما يقتضي الوجوب الذّاتىّ يقتضي الاحاطة بجميع الأشياء والعلم بالكلّ على السّواء وعدم ممانعة شأن من شأن وعلم من علم (وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) من الشّركاء من الأصنام والكواكب وغيرها أو من شركاء علىّ (ع) في الولاية هو (الْباطِلُ) فانّه لو كان شوب حقّيّة فيها لزاحمته تعالى في شؤنه وفي علومه ، أو ذلك المذكور من الجدال بغير علم الى قوله : انّ الله خبير بما تعملون بانّ الله هو الحقّ وانّ ما يدعون من دونه الباطل (وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) كعلوّ النّفس بالنّسبة الى قواها واعضائها وككبرها كذلك فلذلك يكون خبرته بالكلّ على السّواء وتصرّفه في الكلّ سواء (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ) جواب لسؤال مقدّر في مقام التّعليل لعلوّه وكبره يعنى انّك يا محمّد (ص) ترى ببصيرتك انّ الفلك تجري على الماء بتسبيبات رقيقة كان الطّبيعيّون عميانا منها وينسبون جريها الى الأسباب الطّبيعيّة غفلة عن الأسباب الالهيّة ، أو الخطاب عامّ والمعنى ينبغي ان ترى يا من يمكن منه الرّؤية (لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ) على النّظر الى انعام الله والتّوجّه الى تسبيب الله فانّ غيره لا يدرك من آياتها شيئا (شَكُورٍ) ناظر الى انعام الله وتعظيمه في انعامه والمراد بالصّبّار الشّكور هو المؤمن الّذى ليس ساهيا عن صلوته فانّ في الخبر : الايمان نصفان نصف صبر ونصف شكر ، وقيل : المراد راكب البحر فانّه بين خوف ورجاء وصبر وشكر (وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ) من البحر (كَالظُّلَلِ) مرتفعا فوق رؤسهم (دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) اى طريق الدّعاء أو الطّاعة أو الطّريق مطلقا ، وقد تكرّر فيما سلف انّه إذا ارتفع مانع الفطرة من الخيال وحيله خلص الانسانيّة لربّه وخلص الطّريق الى الله من الطّرق الشّيطانيّة (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) اى منهم من يبقى على خلوصه ومنهم من يعود اليه خياله وحيله ويجحد آيات ربّه (وَما يَجْحَدُ