على المصائب أو الطّاعات أو عن المعاصي (وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ) قد مضى تحقيق معنى الخشوع والفرق بينه وبين الخضوع والتّواضع في سورة البقرة عند قوله تعالى : (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ)(وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ) من الاعراض الدّنيويّة والقوى البدنيّة والحشمة والجاه وكلّ ما ينسبه الإنسان الى نفسه ومن انانيّاتهم (وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ) عن الوجود المنسوب إليهم بانتهاء تقويهم عند ابتداء حشرهم الى الرّحمن (وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ) فروجهم بعد حشرهم الى اسم الرّحمن بعودهم الى الكثرات وملاحظة العورات الّتى كانت لهم حين رجوعهم الى الحقّ تعالى وغفلتهم عنها (وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) روى انّ أسماء بنت عميس لمّا رجعت من الحبشة مع زوجها جعفر بن ابى طالب عليهالسلام دخلت على نساء رسول الله (ص) فقالت : هل فينا شيء من القرآن؟ قلن : لا ، فأتت رسول الله (ص) فقالت : يا رسول الله انّ النّساء لفي خيبة وخسار فقال : وممّ ذلك؟ ـ قالت : لانهنّ لا يذكرن بخير كما يذكر الرّجال فأنزل الله تعالى هذه الآية.
اعلم ، انّ الآية اشارة الى جميع مراتب السّلوك بعد الايمان الخاصّ الحاصل بالبيعة الولويّة ودخول الايمان في القلب فانّ الإسلام تنبّه وسبب للهداية الى الايمان ولا بدّ من حصوله للإنسان حتّى يحصل له الايمان ، والايمان الحاصل بالبيعة الخاصّة الولويّة وقبول الدّعوة الباطنة ، ونفس تلك البيعة سبب للتّوجّه الى الله ، وبعد التّوجّه الى الله يكون السّلوك الى الطّريق أو الى الله ، واوّل ما يحصل بعد الايمان للسّالك هو المحبّة لله والاستشعار بعظمته وعظمة مظاهره والاستشعار بالهيبة منه ، ويحصل من ذلك الاستشعار التّواضع الّذى هو حالة حاصلة من امتزاج الهيبة والمحبّة مع غلبة الهيبة ، ويحصل من تلك الحالة الطّاعة ، وليس المراد بالقنوت هاهنا الّا التّواضع أو الطّاعة أو القيام في الصّلوة ، وبالقنوت يحصل الخروج من الاعوجاج وبالصّدق والخروج من الاعوجاج يحصل الصّبر في موارده ، وبالصّبر يحصل الخشوع الّذى هو حالة حاصلة من امتزاج الهيبة والمحبّة مع غلبة المحبّة ، وبغلبة المحبّة يحصل التّصدّق وطرح ما يمنع المحبّ عن خدمة المحبوب ، وبذلك الطّرح يحصل الصّوم الّذى هو انتهاء التّقوى ، وبانتهاء التّقوى يحصل الرّجوع والبقاء بعد الفناء ومراعاة حقوق الكثرات من المنع والإعطاء والبذل والحفظ ، وفي مراعاة الكثرات وحقوقها يحصل الذّكر الكثير ، فانّ الذّكر الكثير هو الّذى يكون بتذكّر الأمر والنّهى الالهيّين عند كلّ فعل ، ولا يكون ذلك الّا بعد الرّجوع الى الكثرات بالله وهو آخر الاسفار الّتى تكون للسّلّاك (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ) عطف على مقدّر مستفاد من السّابق كأنّه قال : فما كان لمؤمن ولا مؤمنة ان يدعوا تلك المغفرة العظيمة وذلك الأجر العظيم وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اى ما صحّ وما جاز (إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً) اى حكم الله أو حتم أو بيّن (أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) اسم للاختيار ويقع على المختار أيضا (مِنْ أَمْرِهِمْ) لانّهما اولى بهم وابصر بأمرهم وارحم بهم منهم نزلت حين خطب الرّسول زينب بنت جحش لزيد مولاه وغضبت هي وأخوها وقالت : بنت عمّتك تنكحها لمولاك؟ فلمّا نزلت قالت : رضيت وجعلت أمرها بيده ، وقيل : نزلت في امّ كلثوم بنت عقبة بن ابى معيط وكانت وهبت نفسها للنّبىّ (ص) فقال : قد قبلت وزوّجها زيد بن حارثة فسخطت هي وأخوها وقالا : انّما أردنا رسول الله فزوّجنا عبده فنزلت : وقد مضى في سورة القصص انّ نزول الآية ان كانت في شيء غير الخلافة فالمنظور منها الخلافة يعنى ما كان لأحد ان يختار الامام من عند نفسه على من اختاره الله ورسوله (ص) للامامة (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ) في ما يختارانه لهم يعنى في الامامة الّتى يختارانها لهم (فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً وَإِذْ تَقُولُ) عطف على مقدّر عامّ أو خاصّ والتّقدير