بمقتضى شكره (وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ) عطف على انّ الّذين يتلون كتاب الله أو على مدخول انّ ووجه المناسبة بينهما انّ السّامع كأنّه تردّد في انّ كتاب الله الّذى مدح الله تاليه هو مطلق احكام النّبوّات من احكام نوح وهود وصالح وإبراهيم وموسى وعيسى (ع) ومطلق الكتب السّماويّة من صحف إبراهيم والتّوراة والإنجيل والقرآن فعطف وقال : انّ الّذى أوحينا إليك من كتاب النّبوّة ومن صورة القرآن (هُوَ الْحَقُ) لا حقّ سواه فلا يتوهّم متوهّم انّ المذكورات أيضا حقّ ينبغي تلاوتها فانّها صارت منسوخة (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) ولمّا توهّم من حصر الحقّ فيما اوحى اليه بطلان المذكورات أضاف اليه قوله مصدّقا لما بين يديه من الشّرائع والكتب حتّى يحقّق بذلك حقّيّتها أيضا (إِنَّ اللهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ) فيعلم بواطن أمورهم (بَصِيرٌ) فيعلم ظواهر أمورهم فلو لم يكن فيك ما يقتضي ايحاء مثل هذه النّبوّة الّتى هي خاتم النّبوّات والرّسالات ومثل هذا الكتاب الّذى هو خاتم الكتب ومهيمن عليها لما اوحى إليك (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ) عطف على انّ الّذين يتلون كتاب الله باعتبار عقد الوضع أو على الّذى أوحينا إليك من الكتاب باعتبار عقد الوضع أيضا ، والمراد بالكتاب هو احكام الرّسالة والنّبوّة والقرآن صورتها ، وايراثها عبارة عن قبولهم تلك الأحكام بالبيعة العامّة الصّحيحة الاسلاميّة ، أو قبولهم تلك بالبيعة الخاصّة الايمانيّة (الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) بقبولنا لهم اى بقبول خليفتنا لهم بالبيعة (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) بوقوفه في مربض بهيميّته وسبعيّته وشيطنته من غير خروجه الى انسانيّته (وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) وهو الّذى خرج الى انسانيّته ولم يبلغ الانتهاء في ذلك ولم يرجع لتكميل غيره (وَمِنْهُمْ سابِقٌ) لكلّ من سواه (بِالْخَيْراتِ) جميعا (بِإِذْنِ اللهِ) أو بجنس الخيرات وهو الّذى بلغ منتهى ما ينبغي ان يبلغ بحسب شأنه واستعداده ثمّ رجع لتكميل غيره فانّه سبق غيره بجملة الخيرات أو ببعضها.
وهذه الآية بهذا التّفسير تشمل كلّ من باع البيعة العامّة الاسلاميّة الصّحيحة لا البيعة الفاسدة كالّذين باعوا مع خلفاء الجور سواء باع البيعة الخاصّة الايمانيّة أم لا ، وسواء ترقّى عن مقامه الّذى كان فيه قبل البيعة أو لم يترقّ ، أو لا تشمل الّا الّذى باع البيعة الايمانيّة فانّ المسلم وان كان له نسبة البنوّة الى من باع معه البيعة الاسلاميّة ، ونسبة الأخوّة الى من باع تلك البيعة لكنّها لغاية خفائها كأنّها لم تكن ولذلك كانت تلك النّسبة لم يبلغ سلطانها الى الآخرة ولا يحصل منها الّا حفظ الدّم والمال والعرض وجريان المناكح والمواريث ، والأجر لا يكون الّا على الايمان ، فالوارث من النّبىّ أو خليفته ليس الّا من باع معه البيعة الايمانيّة وبتلك البيعة يتحقّق نسبة الابوّة والبنوّة بينهما ، ونسبة الأخوّة بينه وبين سائر المؤمنين ويكون سلطانها باقيا الى الآخرة ، هذا بحسب ظاهر الآية فانّ الدّاخلين في الإسلام والدّاخلين في الايمان بقدر قوّة نسبتهم وضعفها الى الرّسول (ص) وارثون منه كتاب الرّسالة ووارثون منه كتاب القرآن لكن ورد أخبار كثيرة جدّا في تخصيص الوارثين والمصطفين بأولاد فاطمة (ع) ، وانّ الآية نزلت في الفاطميّين وانّهم مغفور لهم على ظلمهم ، وانّه لا يدخل فيهم من أشار بسيفه ودعا النّاس الى ضلال ، وفي بعض الاخبار انّها لآل محمّد (ص) خاصّة ولعلّ التّخصيص بالفاطميّين أو بآل محمّد (ص) للاشارة الى شمول الآية للبائعين البيعة الخاصّة الايمانيّة دون البائعين البيعة العامّة فانّه ورد عنهم (ع) انّ شيعتنا الفاطميّون والعلويّون والهاشميّون ، ولو خصّصت الآية بأولاد فاطمة (ع) أولادها الجسمانيّين كما في بعض الاخبار من التّلويح اليه لما كان بعيدا فانّهم الوارثون حقيقة والمصطفون واقعا ، وغيرهم من شيعتهم وارثون بايراثهم ومصطفون باصطفائهم وتبعيّتهم ، وورد انّ الظّالم لنفسه الّذى لا يقرّ بالإمام ، والمقتصد العارف بالإمام ، والسّابق بالخيرات الامام ، وفي بعض الاخبار فسّر الظّالم بمن لا يعرف حقّ