قرئ بقطع الهمزة من باب الأفعال وبوصلها اى اجمعوا (كَيْدَكُمْ) المتفرّق في باب المقابلة مع موسى (ع) (ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا) فانّ الاتّفاق والاصطفاف في المناظرة ارعب واشدّ هيبة في الانظار ، قيل : كانوا سبعين ألفا مع كلّ عصا وحبل (وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى) وغلب قيل : هذا كان قول فرعون للسّحرة ، وقيل : قول بعضهم لبعض ، أو قول قوم فرعون للسّحرة (قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى) خيّروه مراعاة للأدب وحفظا لتوقيره لمّا علموا انّه الهىّ وليس فعله سحرا ولذلك قدّموه على أنفسهم في التّخيير ، قيل : لهذا الأدب والتّوقير هداهم الله ولم يكلهم الى أنفسهم (قالَ بَلْ أَلْقُوا) فانّه (ع) لم يكترث بما فعلوا وقال القوا حتّى يلقوا ويؤتوا بغاية جهدهم ليظهر على الكلّ غلبته اتّكالا على ربّه فألقوا ما صنعوا ، وقيل : كانوا قد ملأوا الميدان وكان أوسع ما يكون من الا عمدة والحبال (فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى) قرئ يخيّل بياء الغيبة مبنيّا للمفعول وبتاء التّأنيث مبنيّا للفاعل (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى) ورد انّه لم يخف على نفسه وانّما خاف على مغلوبيّته وغلبة الباطل ، والإيجاس احساس امر خفىّ كأنّه أشار بلفظ الإيجاس الى خفاء الخيفة بحيث لم يظهر على غيره ، ولمّا كان الكامل هو الّذى كمل في جميع مراتبه ، وكمال المرتبة البشريّة ان يأكل ويشرب وينكح ويصحّ ويمرض ويرجو ويخاف لم يكن خيفة موسى (ع) دالّة على نقص ينافي مقام رسالته الكاملة (قُلْنا) بطريق الوحي (لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى) اكّد الجملة بمؤكّدات لانّ خوفه (ع) كان بمنزلة الشّكّ (وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ) اى العصا (تَلْقَفْ) قرئ بالجزم وبالرّفع ، وقرئ من الثّلاثىّ المجرّد ، ومن باب التّفعيل ، ومن باب التّفعّل بإدغام تاء المضارع في تاء المطاوعة ، ولقف من باب علم ولقّف من التّفعيل وتلقّف من التّفعّل بمعنى بلع ، واستعمل لقّف من التّفعيل في الابلاع ، ويجوز ان يكون تلقّف خطابا لموسى (ع) وان يكون منسوبا الى الضّمير المؤنّث الرّاجع الى العصا يعنى تبلّع (ما صَنَعُوا) بالحيل الطّبيعيّة من التّصرّفات الطّبيعيّة أو بالحيل الشّيطانيّة من تمزيج القوى الرّوحانيّة مع القوى الطّبيعيّة وترتيب آثار خارقة للعادة عليه ، وقد مضى في سورة البقرة عند قوله تعالى : يعلّمون النّاس تحقيق وتفصيل تامّ للسّحر ومعانيه (إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ) وقرئ كيد سحر بدون الالف (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى) يعنى وان بلغ المقامات العالية من سحره (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً) يعنى لمّا القى موسى (ع) عصاه فلقفت جميع ما صنعوا وادارت حول قبّة فرعون وأحاطت بفكّيها قبّته وأحدث فرعون وهامان كما سنذكر ، ورأوا انّ ذلك ليس الّا الهيّا اضطربوا والتجأوا ولم يتمالكوا كأنّهم ألقاهم ملق فألقوا سجّدا تعظيما لله وتفخيما لما رأوا (قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى) كأنّهم من دهشتهم وتحيّر قلوبهم لم يمكنهم مراعاة الأدب والرّتبة فقدّموا هارون (ع) على موسى (ع) لذلك ، ولمراعاة رؤس الآي ولم يستأذنوا فرعون وآمنوا قبل ان يقولوا له انّه لحقّ ولا يجوز إنكاره ولذلك (قالَ) فرعون (آمَنْتُمْ لَهُ) قرئ بهمزة واحدة على صورة الاخبار ، وقرئ بهمزتين على الاستفهام الانكارىّ (قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ) رئيسكم ومعلّمكم في هذا الفنّ وكنتم مطّلعين عليه وتواطئتم على ذلك (الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) نقل انّهم أيقنوا قبل هذا بانّ موسى (ع) الهىّ لكنّهم أرادوا بذلك ظهوره على رؤس الاشهاد (فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ) اليد اليمنى والرّجل اليسرى أو بالعكس (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) جمع الجذع وهو أصل