الّتى هي دليل كلّ خير وطريق كلّ مطلوب وفعليّة كلّ كمال ، أو سبقت كلمتنا الّتى هي الولاية كلمة الشّيطان فصارت كلمة الشّيطان مغلوبة ، وإذا صارت كلمة الشّيطان مغلوبة صارت جملة جنوده الدّاخلة والخارجة مغلوبة ، وصارت جملة جنود الحقّ الدّاخلة والخارجة غالبة والآية تسلية للرّسول والمؤمنين وتهديد للكافرين (إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ) بدل من كلمتنا أو جواب لسؤال مقدّر في مقام بيان الكلمة أو في مقام التّعليل (وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) واعرض عن مجادلتهم ومقاتلتهم (حَتَّى حِينٍ) حتّى تبلغ الى موعد نصرك وقتلهم (وَأَبْصِرْهُمْ) فانّك فتحت بصيرتك ويمكنك أبصارهم على حالهم الفظيعة الّتى تؤدّيهم الى الجحيم والى العذاب الأليم ، أو ابصرهم على حالهم الّتى يكونون عليها في القيامة وعند الحساب ، أو في الجحيم وعند العذاب فانّك لا حاجة لك الى إتيان القيامة بعد فانّ القيامة صارت حالك (فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) ذلك في القيامة لعدم خروجهم بعد عن مضيق طبعهم وسجن نفوسهم وحجب اهويتهم (أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ) تهديد لهم ، روى انّه لمّا نزل فسوف يبصرون قالوا متى هذا؟ فقال تعالى تهديدا لهم : أفبعذابنا يستعجلون (فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ) اى وقت المنذرين فانّه كثيرا ما يستعار الصّباح لمطلق الوقت (وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) تأكيد للاوّل وتعقيب لكلّ من الوعد والوعيد بذلك إتماما لطرفى الوعد والوعيد (سُبْحانَ رَبِّكَ) عن كلّ ما يصفه الواصفون وخصوصا عمّا يصفه المشركون (رَبِّ الْعِزَّةِ) لانّه ليس كمال ولا وصف الّا انّه تعالى خالقه وربّه (عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ) اى سلامة أو الله أو تحيّة السّلام (عَلَى الْمُرْسَلِينَ) كأنّه تعالى قال : فالنّقمة على المشركين وسلام على المرسلين فانّ قوله سبحان ربّك ربّ العزّة في مقام ان يقال نقمة عظيمة من غير دافع على المشركين وسلام على الموحّدين (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) تعليم للعباد أو إنشاء للحمد تعظيما لنفسه ، أو اخبار بانّ كلّ كمال وكلّ صفة كمال خاصّ بالله فكيف يكون له شريك في ملكه.
سورة ص
مكّيّة وهي ثمان وثمانون آية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(ص) قرئ بالسّكون وهو الأصل في فواتح السّور ، وقرئ بكسر الدّال امّا لالتقاء السّاكنين والتّحريك بالكسر ، أو لجعله امرا من المصاداة وهي المعارضة ، وقرئ بفتح الدّال لالتقاء السّاكنين ، أو لجعله علما للسّورة ومنع صرفه وفي اخبار كثيرة انّ ص عين تنبع من تحت العرش ، أو من يمين العرش ، أو من ركن من أركان العرش وهي ماء الحيوة ، وفي خبر انّ ص من أسماء الله ، أو من أسماء النّبىّ (ص) وقد سبق في اوّل البقرة تفصيل تامّ يغنينا هاهنا عن التّعرّض لبيانه (وَالْقُرْآنِ) اقسم بالقرآن (ذِي الذِّكْرِ) والجواب محذوف اى انّ القرآن حقّ ، أو انّك حقّ ، أو انّ الكافرين به أو بك كفروا به لا لحجّة