يكون لا تخف مجزوما جواب الأمر ، أو حالا من فاعل أوحينا ، أو عن فاعل اضرب بتقدير القول ، ولا تخشى يكون مجزوما معطوفا عليه ويكون الالف للإطلاق مثل قوله تعالى : وتظنّون بالله الظّنونا ، أو يكون مستأنفا أو حالا بتقدير مبتدء (فَأَتْبَعَهُمْ) اى أدركهم (فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ) مع جنوده ، أو لفظ الباء للتّعدية ، أو الهمزة للتّعدية والمعنى اتبعهم فرعون نفسه مع جنوده فانّ اتبع استعمل لازما ومتعدّيا ، وقرئ اتبعهم من باب الافتعال وحينئذ يكون الباء بمعنى مع أو للتّعدية وفي الكلام إيجاز في وضوح ، فانّ المعنى فأسرى موسى (ع) بنى إسرائيل ووصل الى البحر وضرب بعصاه البحر فأظهر لهم طريقا يبسا فدخل هو وقومه ولحقهم فرعون بجنوده فدخل البحر فلمّا كان آخر من خرج من بنى إسرائيل من البحر وآخر من دخل البحر من جنود فرعون انطبق الطّرق (فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ) اى غشيهم ماء لا يمكن ان يعرّف من عظمته ، وقرئ فغشّاهم ما غشّاهم من باب التّفعيل اى غشّاهم الله أو غشّاهم فرعون ما غشّاهم من الماء (وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى) عطف ما هدى للتّأكيد والاشعار بانّ الإضلال كان مستمرّا له وما تغيّر والمقصود انّه اضلّهم عن الحقّ أو اضلّهم في البحر وهو ردّ على قول فرعون وما أهديكم الّا سبيل الرّشاد. روى انّ جبرئيل (ع) قال لرسول الله (ص) انّما قال فرعون لقومه انا ربّكم الأعلى حين انتهى الى البحر فرآه قد يبست فيه الطّريق فقال لقومه ترون البحر قد يبس من فرقى فصدّقوه لمّا رأوا ذلك فذلك قوله تعالى فأضلّ فرعون قومه وما هدى (يا بَنِي إِسْرائِيلَ) مربوط بسابقه جواب لسؤال مقدّر بتقدير القول وحكاية لما قاله تعالى لهم بعد انجائهم كأنّه قيل : فما فعل بهم بعد غرق فرعون وقومه؟ وما قال الله تعالى لهم؟ ـ فقال : قال لهم : يا بنى إسرائيل ، أو منقطع عن سابقه واستيناف وخطاب منه تعالى للحاضرين منهم في زمان الرّسول (ص) (قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ) بإغراق فرعون (وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ) لمناجاة موسى (ع) وإنزال التّوراة فانّه تعالى أخبر موسى (ع) ووعده التّوراة في بيان شرائعهم وأحكامهم ووعد موسى (ع) قومه فعدّ تعالى وعد موسى (ع) وعدهم ، أو المقصود واعدنا جانب الطّور الّذى هو الصّدر المنشرح بالإسلام جانبه الأيمن الّذى يلي القلب بشرط وفائكم بشروط عهدكم وميثاق بيعتكم (وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى) في التّيه وقد مضى هذه بالتّفصيل في اوّل البقرة ، وقرئ الأفعال الثّلاثة بالمتكلّم وحده قائلين (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ) طغى يطغى من باب علم ، وطغى يطغو من نصر ، وطغى يطغى من منع جاوز القدر ، وارتفع وعلا في الكفر ، وأسرف في المعاصي والظّلم ، وكلّ المعاني راجعة الى الخروج من انقياد العقل الخارجىّ أو الدّاخلىّ ومعنى لا تطغوا فيه لا تتجاوزوا في ما رزقناكم عمّا حدّه الله من مقدار الاكل وجهة تحصيل المأكول وآداب الاكل وغاياته والتّسمية عليه والشّكر عليه من ملاحظة المنعم في النّعمة ، أو لا تسرفوا بكثرة ألوان المأكول أو كثرة الأكل أو إطعام غير الأهل منه ، أو بغير ذكر الله ، أو لا تطغوا في الاكل بان يكون الضّمير راجعا الى الاكل الّذى في ضمن كلوا ، أو لا تطغوا بسبب الاكل ، أو بسبب ما رزقناكم ، أو لا تطغوا حالكونكم ثابتين في بين ما رزقناكم ، أو في الاكل (فَيَحِلَ) قرئ بضمّ الحاء وكسرها كما قرئ يحلل بضمّ اللّام الاولى وبكسرها (عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى) تردّى وهلك ، أو سقط من سماء الانسانيّة الى الأرض السّابعة الّتى هي دار الجنّة والأشقياء.
اعلم ، انّ الله تبارك وتعالى لا ينتقل من حال الى حال ولا يتغيّر في وصف ولا حال بل هو تعالى صرف الرّحمة وبرحمته أوجد كلّ الموجودات وأبقاها وليس شيء الّا وهو متقوّم ومتحقّق برحمته الرّحمانيّة وهذه الرّحمة في أكثر الموجودات تظهر بحيث تكون موافقة لفطرة نوعها سوى الإنسان والجانّ فانّ الإنسان لكونه مجمع العوالم