منه (وَذِكْرى) وتذكيرا (لِأُولِي الْأَلْبابِ) حتّى لا يكونوا على يأس منّا ويكونوا راجين رحمتنا حين سلب النّعمة منهم ، وقد سبق مكرّرا انّ اللّبّ لا يحصل للإنسان الّا بتلقيح الولاية فانّ الإنسان ما لم يحصل له الولاية بالشّروط المقرّرة عندهم يكون كاللّوز والجوز الخالي من اللّبّ اللّائق للنّار ، وحصول الولاية للإنسان مثل التّأبير للنّخلة يجعله ذا ثمر وذا لبّ فليس المراد بأولى الألباب الّا شيعة علىّ (ع) الّذين حصل لهم ولايته بشروطها (وَخُذْ بِيَدِكَ) عطف على اركض (ضِغْثاً) حزمة من خشب (فَاضْرِبْ بِهِ) زوجتك (وَلا تَحْنَثْ) قسمك وذلك انّه كما قيل : حلف بعد ما أخبر انّ زوجته أخذت في الزّنا وقطعت ذؤابتها ورأى ذؤابتها مقطوعة ان يضربها مائة وندم على ذلك بعد ما أخبرته انّها باعتها وأخذت له طعاما (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً) تعليل لا ذكر أو لقلنا اركض برجلك أو لوهبنا له اهله أو لوهبنا مثلهم معهم أو لقلنا خذ بيدك ضغثا أو للمجموع أو بيان لحاله في جواب سؤال عن حاله (نِعْمَ الْعَبْدُ) ايّوب (ع) (إِنَّهُ أَوَّابٌ) كثير الرّجوع شديد الرّجوع تامّ الرّجوع الى الله ، عن الصّادق (ع) انّه سئل عن بليّة ايّوب (ع) الّتى ابتلى بها في الدّنيا ، لأىّ علّة كانت؟ قال : لنعمة أنعم الله عزوجل عليه بها في الدّنيا وادّى شكرها وكان في ذلك الزّمان لا يحجب إبليس عن دون العرش فلمّا صعد ورأى شكر نعمة ايّوب حسده إبليس فقال : يا ربّ انّ ايّوب لم يؤدّ إليك شكر هذه النّعمة الّا بما أعطيته من الدّنيا ولو حرمته دنياه ما ادّى إليك شكر نعمة أبدا ، فسلّطنى على دنياه حتّى تعلم انّه لا يؤدّى إليك شكر نعمة أبدا ، فقيل له : قد سلّطتك على ماله وولده ، قال : فانحدر إبليس فلم يبق له مالا ولا ولدا الّا أعطبه (١) ، فازداد ايّوب لله شكرا وحمدا ، قال : فسلّطنى على زرعه ، قال : قد فعلت ، فجمع شياطينه فنفخ فيه فاحترق ، فازداد ايّوب لله شكرا وحمدا ، فقال : يا ربّ فسلّطنى على غنمه ، فسلّطه على غنمه ، فأهلكها ، فازداد ايّوب شكرا وحمدا ، فقال : يا ربّ سلّطنى على بدنه ، فسلّطه على بدنه ما خلا عقله وعينيه ، فنفخ فيه إبليس فصار قرحة واحدة من قرنه الى قدمه فبقي في ذلك دهرا طويلا يحمد الله ويشكره حتّى وقع في بدنه الدّود ، فكانت تخرج من بدنه فيردّها فيقول لها : ارجعي الى موضعك الّذى خلقك الله منه ونتن حتّى أخرجه أهل القرية من القرية والقوة في المزبلة خارج القرية ، وكانت امرأته رحمة بنت يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم تتصدّق من النّاس وتأتيه بما تجده ، فلمّا طال عليه البلاء ورأى إبليس صبره أتى أصحابا لايّوب كانوا رهبانا في الجبال وقال : لهم مرّوا بنا الى هذا العبد المبتلى فنسأله عن بليّته ، فركبوا بغالا شهبا وجاؤا فلمّا دنوا منه نفرت بغالهم من نتن ريحه فنظر بعضهم الى بعض ثمّ مشوا اليه وكان فيهم شابّ حدث السّن فقعدوا اليه فقالوا : يا ايّوب لو أخبرتنا بذنبك لعلّ الله كان يملكنا إذا سألناه وما نرى ابتلاءك بهذا البلاء الّذى لم يبتل به أحد الّا من امر كنت تستره ، فقال ايّوب (ع) : وعزّة ربّى انّه ليعلم انّى ما أكلت طعاما الّا ويتيم أو ضعيف يأكل معى ، وما عرض لي أمران كلاهما طاعة لله الّا أخذت بأشدّهما على بدني ، فقال الشّابّ : سوئة لكم عيّرتم نبىّ الله حتّى أظهر من عبادة ربّه ما كان يسترها؟! فقال ايّوب (ع) : يا ربّ لو جلست مجلس الحكم منك لأدليت بحجّتى ، فبعث الله عزوجل اليه غمامة فقال : يا ايّوب أدل بحجّتك فقد أقعدتك مقعد الحكم ، وها انا ذا قريب ولم أزل ، فقال : يا ربّ انّك لتعلم انّه لم يعرض لي امر ان قطّ كلاهما لك طاعة الّا أخذت بأشدّهما على نفسي ألم أحمدك؟ ألم أشكرك؟ ألم اسبّحك؟ قال فنودي من الغمامة بعشرة آلاف لسان : يا ايّوب من صيّرك تعبد الله والنّاس عنه غافلون؟ وتحمده وتسبّحه وتكبّره والنّاس عنه غافلون؟ أتمنّ على الله بما لله فيه المنّة عليك؟ ـ قال : فأخذ التّراب فوضعه في فيه ثمّ قال : لك العتبى يا ربّ ، أنت فعلت ذلك بى ، فانزل الله عليه ملكا فركض برجله فخرج الماء فغسله بذلك الماء فعاد أحسن ما كان وأطرأ ، وأنبت الله عليه روضة خضراء وردّ عليه اهله وماله وولده وزرعه وقعد معه الملك يحدّثه ويونسه فأقبلت امرأته معها
__________________
(١) عطب عطبا واعتطب هلك وأعطبه أهلكه.