حَمْلَها) والمراد بذات الحمل كلّ ما كان فيه شيء آخر مكمونا لانّه يوم تخرج الأرض أثقالها ومكموناتها (وَتَرَى النَّاسَ سُكارى) زائلى العقول من غاية الحيرة والوحشة (وَما هُمْ بِسُكارى) حتّى يكونوا ملتذّين بلذّة السّكر وكيفه (وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ) فلذلك يزول عقولهم لا لكيف المسكر (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ) جملة حاليّة أو مستأنفة على مجيء الواو للاستيناف أو معطوفة على مقدّر كأنّه قال : فمن النّاس من يسلّم ويخاف ويسلّم من هولها ومن النّاس من لا يسلّم ويجادل (فِي اللهِ) اى في ذاته وصفاته واحكامه ومظاهره وخلفائه ، ومنها المجادلة في احكام العباد والنّظر فيها بالرّأى والاستحسان من دون اذن من الله واجازة من خلفائه (بِغَيْرِ عِلْمٍ) فانّ العلم بالله وصفاته واحكامه وخلفائه لا يحصل الّا بالشّهود والوجدان وهم قاصرون فيه أو بالتّقليد لصاحب الشّهود والوجدان وهم مستنكفون منه (وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ) عطف فيه معنى التّعليل يعنى يجادل بغير علم لانّه يتّبع كلّ شيطان عات طاغ وباتّباعه لا يحصل له الّا الجهل والعتوّ فلا يحصل له علم ولا تقليد لأهل علم (كُتِبَ عَلَيْهِ) مستأنف أو صفة بعد صفة أو حال بتقدير قد (أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) ثمّ خاطب الزّنادقة من منكري البعث بعد التّحذير عن وحشة البعث فقال (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ) قد مضى انّ الرّيب هو التّزلزل في الاعتقاد الثّابت والاضطراب فيه وهو مقدّمة الشّكّ وكثيرا ما يستعمل في الشّكّ (مِنَ الْبَعْثِ) اى بعث الأموات واحيائهم في يوم الحساب فتفكّروا فيما سلف عليكم من الأحوال حتّى تعلموا جواز البعث فانّكم قد علمتم النّشأة الاولى فلو لا تذكّرون (فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ) يعنى انظروا في مادّة خلقتكم فانّ جزءها الأعظم كان التّراب الّذى هو اخسّ العناصر ثمّ استكمل ذلك التّراب في مراتب استكماله وكلّ استكمال كان موتا لكم عن صورة وبعثا في صورة اخرى حتّى بلغتم الى أقصى مراتب الكمال البشرىّ وموتكم عن البشريّة وبعثكم بالملكيّة مثل موتاتكم السّابقة وبعثاتكم (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ) قطعة دم جامدة (ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ) قطعة لحم غير متماسك الاجزاء كاللّحم الّذى يمضغ ، وإدخال من على المادّة يدلّ على انّ المادّة ليست هي الإنسان ولا جزء منه بل الإنسان اسم للفعليّة الاخيرة الّتى هي الرّوح وانّ النّفس الانسانيّة جسمانيّة الحدوث كما عليه الفلاسفة لا انّها قديمة أو خلقت سابقة على الأبدان كما عليه جمع من المتكلّمين والفقهاء ، وما ورد من خلق الأرواح قبل الأبدان انّما هو بحسب نشأتها المجرّدة لا بحسب نشأتها المتعلّقة وليس التّعلّق وصفا عرضيّا للنّفوس كما قيل بل هو مرتبة من مراتب ذواتها ونشأة من نشآت وجوداتها (مُخَلَّقَةٍ) تامّة الخلقة ويدلّ عليه وزن التّخليق الدّالّ على المبالغة (وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ) غير تامّة الخلقة ، أو باقية الى تمام زمان خلقته في الرّحم وهو الزّمان المعهود للجنين في الرّحم وغير باقية بل ساقطة أو خارجة سالمة قبل تسعة أشهر (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) كيفيّة بعثكم من هذا البعث المشهود لكم ، وحذف المفعول ليذهب ذهن السّامع كلّ مذهب ممكن كأنّه قال لنبيّن لكم حكمتنا وقدرتنا وعلمنا ورأفتنا وتوانينا في الأمور وإماتاتنا واحياءاتنا وبعثكم ونشركم وجزاءكم وحسابكم (وَنُقِرُّ) قرئ بالرّفع والنّصب من باب الأفعال ومن الثّلاثىّ المجرّد بالتّكلّم والغيبة وليكن الثّلاثىّ المجرّد المتكلّم مأخوذا من قررت الماء إذا صببته ، والمرفوع منه معطوف على خلقنا أو حال بتقدير مبتدء أو مستأنف والمنصوب معطوف على نبيّن كأنّه قال : غرضنا في التّأنّى والتّدريج في الخلقة بيان حكمتنا وقدرتنا على البعث وتقرير نطفكم (فِي الْأَرْحامِ) مدّة ليكون دليلا على بقائكم