البسيط وهم الذين قال تعالى فيهم (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) [النور : ٤٠] فقسم الكفار هاهنا إلى قسمين : داعية ومقلد ، كما ذكرهما في أول سورة الحج (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ) [الحج : ٣] وقال (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ) [الحج : ٨] وقد قسم الله المؤمنين في أول الواقعة وفي آخرها ، وفي سورة الإنسان إلى قسمين : سابقون وهم المقربون ، وأصحاب يمين وهم الأبرار.
فتلخّص من مجموع هذه الآيات الكريمات أن المؤمنين صنفان : مقربون وأبرار ، وأن الكافرين صنفان : دعاة ومقلدون ، وأن المنافقين أيضا صنفان : منافق خالص ، ومنافق فيه شعبة من نفاق ، كما جاء في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلىاللهعليهوسلم «ثلاث من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه واحدة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : من إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان» (١) استدلوا به على أن الإنسان قد تكون فيه شعبة من إيمان وشعبة من نفاق. إما عملي لهذا الحديث أو اعتقادي كما دلت عليه الآية كما ذهب إليه طائفة من السلف وبعض العلماء كما تقدم وكما سيأتي إن شاء الله. قال الإمام أحمد (٢) : حدثنا أبو النضر حدثنا أبو معاوية يعني شيبان عن ليث عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «القلوب أربعة : قلب أجرد فيه مثل السراج يزهر ، وقلب أغلف مربوط على غلافه ، وقلب منكوس ، وقلب مصفح ، فأما القلب الأجرد فقلب المؤمن فسراجه فيه نوره وأما القلب الأغلف فقلب الكافر وأما القلب المنكوس فقلب المنافق الخالص عرف ثم أنكر وأما القلب المصفح فقلب فيه إيمان ونفاق ، ومثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء الطيب ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القيح والدم فأي المادتين غلبت على الأخرى غلبت عليه» وهذا إسناد جيد حسن.
وقوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) قال محمد بن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ) قال : لما تركوا من الحق بعد معرفته (٣) (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) قال ابن عباس : أي إن الله على كل ما أراد بعباده من نقمة أو عفو
__________________
(١) أخرجه البخاري (إيمان باب ٢٤ ؛ جزية باب ١٧ ؛ مظالم باب ١٧) ومسلم (إيمان حديث ١٠٢) وأبو داود (سنة باب ١٥) والترمذي (إيمان باب ١٤) والنسائي (إيمان باب ٢٠) وأحمد في المسند (ج ٢ ص ١٨٩)
(٢) المسند ج ٣ ص ١٧.
(٣) الطبري ١ / ١٩٤.