وبالبر ، ويخالفون ، فعيرهم الله عزوجل (١). وكذلك قال السدي. وقال ابن جريج : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ) أهل الكتاب والمنافقون كانوا يأمرون الناس بالصوم والصلاة ويدعون العمل بما يأمرون به الناس ، فعيرهم الله بذلك ، فمن أمر بخير فليكن أشد الناس فيه مسارعة (٢). وقال محمد بن إسحاق عن محمد [بن أبي محمد] (٣) عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس : (وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) أي تتركون أنفسكم (وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) أي تنهون الناس عن الكفر بما عندكم من النبوة والعهد من التوراة وتتركون أنفسكم ، أي وأنتم تكفرون بما فيها من عهدي إليكم في تصديق رسولي وتنقضون ميثاقي وتجحدون ما تعلمون من كتابي. وقال الضحاك عن ابن عباس : في هذه الآية يقول : أتأمرون الناس بالدخول في دين محمد صلىاللهعليهوسلم وغير ذلك مما أمرتم به من إقام الصلاة وتنسون أنفسكم. وقال أبو جعفر بن جرير : حدثني علي بن الحسن حدثنا مسلم الجرمي حدثنا مخلد بن الحسين عن أيوب السختياني ، عن أبي قلابة في قول الله تعالى : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ) قال : قال أبو الدرداء رضي الله عنه : لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في ذات الله ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتا (٤). وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذه الآية : هؤلاء اليهود إذا جاء الرجل سألهم عن الشيء ليس فيه حق ولا رشوة أمروه بالحق ، فقال الله تعالى : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) والغرض : أن الله تعالى ذمهم على هذا الصنيع ، ونبههم على خطئهم في حق أنفسهم حيث كانوا يأمرون بالخير ولا يفعلونه ، وليس المراد ذمهم على أمرهم بالبر مع تركهم له ، فإن الأمر بالمعروف معروف وهو واجب على العالم ، ولكن الواجب والأولى بالعالم أن يفعله مع من أمرهم به ولا يتخلف عنهم كما قال شعيب عليهالسلام : (وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [هود : ٨٨] فكل من الأمر بالمعروف وفعله واجب لا يسقط أحدهما بترك الآخر على أصح قولي العلماء من السلف والخلف. وذهب بعضهم إلى أن مرتكب المعاصي لا ينهى غيره عنها وهذا ضعيف ، وأضعف منه تمسكهم بهذه الآية فإنه لا حجة لهم فيها ، والصحيح : أن العالم يأمر بالمعروف وإن لم يفعله ، وينهى عن المنكر وإن ارتكبه ، قال مالك عن ربيعة : سمعت سعيد بن جبير يقول : لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر. قال مالك : وصدق من ذا الذي ليس فيه شيء؟ (قلت) لكنه والحالة هذه مذموم على ترك الطاعة وفعله المعصية لعلمه بها ومخالفته على بصيرة فإنه ليس من يعلم كمن لا يعلم ، ولهذا جاءت
__________________
(١) الطبري ١ / ٢٩٦)
(٢) الزيادة من الطبري.
(٣) الطبري ١ / ٢٩٧)