تفسيرا للنعمة عليهم في قوله : (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ) ثم فسره بهذا لقوله هاهنا : (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) وأما في سورة إبراهيم فلما قال : (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ) [إبراهيم : ٥] أي بأياديه ونعمه عليهم فناسب أن يقول هناك : (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) [إبراهيم : ٦] فعطف عليه الذبح ليدل على تعدد النعم والأيادي على بني إسرائيل. وفرعون علم على كل من ملك مصر كافرا من العماليق وغيرهم ، كما أن قيصر علم على كل من ملك الروم مع الشام كافرا ، وكسرى لمن ملك الفرس ، وتبّع لمن ملك اليمن كافرا ، والنجاشي لمن ملك الحبشة ، وبطليموس لمن ملك الهند ، ويقال : كان اسم فرعون الذي كان في زمن موسى عليهالسلام الوليد بن مصعب بن الريان ، وقيل مصعب بن الريان ، فكان من سلالة عمليق بن الأود بن إرم بن سام بن نوح ، وكنيته أبو مرة ، وأصله فارسي من إصطخر ، وأيّا ما كان فعليه لعنة الله.
وقوله تعالى : (وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) قال ابن جرير (١) : وفي الذي فعلنا بكم من إنجائناكم (٢) مما كنتم فيه من عذاب آل فرعون بلاء لكم من ربكم عظيم ، أي نعمة عظيمة عليكم في ذلك. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : قوله تعالى : (بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) قال : نعمة (٣). وقال مجاهد (بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) قال : نعمة من ربكم عظيمة(٤). وكذا قال أبو العالية وأبو مالك والسدي وغيرهم. وأصل البلاء الاختبار وقد يكون بالخير والشر كما قال تعالى : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) [الأنبياء : ٣٥] وقال : (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الأعراف : ١٦٨] قال ابن جرير : وأكثر ما يقال في الشر : بلوته أبلوه بلاء ، وفي الخير أبليه إبلاء وبلاء ، قال زهير بن أبي سلمى : [الطويل]
جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم |
|
وأبلاهما خير البلاء الذي يبلو (٥) |
قال (٦) : فجمع بين اللغتين لأنه أراد : فأنعم الله عليهما خير النعم التي يختبر بها عباده.
وقيل : المراد بقوله : (وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ) إشارة إلى ما كانوا فيه من العذاب المهين من ذبح الأبناء واستحياء النساء قال القرطبي (٧) : وهذا قول الجمهور ، ولفظه بعد ما حكى القول الأول ، ثم قال : وقال الجمهور : الإشارة إلى الذبح ونحوه ، والبلاء هاهنا في الشر ، والمعنى : وفي الذبح
__________________
(١) تفسير الطبري ١ / ٣١٣.
(٢) في الأصل «إنجائنا آباءكم» والتصحيح من الطبري.
(٣) البيت لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ١٠٩ ؛ ولسان العرب (بلا) ؛ وتهذيب اللغة ١٥ / ٣٩٠ ؛ ومقاييس اللغة ١ / ٢٩٤ ؛ وديوان الأدب ٤ / ١٠٦ ؛ وتاج العروس (باس) ؛ وتفسير الرازي ٣ / ٦٦ ؛ والطبري ١ / ٣١٤.
(٤) أي ابن جرير الطبري.
(٥) تفسير القرطبي ١ / ٣٨٧.