فكانت الحيتان إذا كان يوم السبت ، وقد حرم الله على اليهود أن يعملوا في السبت شيئا ، فلم يبق في البحر حوت إلا خرج حتى يخرجن خراطيمهن من الماء ، فإذا كان يوم الأحد لزمن سفل البحر فلم ير منهن شيء حتى يكون يوم السبت ، فذلك قوله تعالى (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ) فاشتهى بعضهم السمك ، فجعل الرجل يحفر الحفيرة ويجعل لها نهرا إلى البحر ، فإذا كان يوم السبت فتح النهر فأقبل الموج بالحيتان يضربها حتى يلقيها في الحفيرة ، فيريد الحوت أن يخرج فلا يطيق من أجل قلة ماء النهر ، فيمكث فيها ، فإذا كان يوم الأحد ، جاء فأخذه ، فجعل الرجل يشوي السمك ، فيجد جاره روائحه ، فيسأله فيخبره ، فيصنع مثل ما صنع جاره حتى فشا فيهم أكل السمك ، فقال لهم علماؤهم : ويحكم ، إنما تصطادون يوم السبت وهو لا يحل لكم ، فقالوا : إنما صدناه يوم الأحد حين أخذناه ، قال الفقهاء : لا ولكنكم صدتموه يوم فتحتم له الماء فدخل ، قال : وغلبوا أن ينتهوا. فقال بعض الذين نهوهم لبعض (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً) يقول : لم تعظونهم وقد وعظتموهم فلم يطيعوكم؟ فقال بعضهم (مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) فلما أبوا ، قال المسلمون : والله لا نساكنكم في قرية واحدة ، فقسموا القرية بجدار وفتح المسلمون بابا والمعتدون في السبت بابا ولعنهم داود عليهالسلام ، فجعل المسلمون يخرجون من بابهم ، والكفار من بابهم ، فخرج المسلمون ذات يوم ولم يفتح الكفار بابهم فلما أبطئوا عليهم ، تسور المسلمون عليهم الحائط ، فإذا هم قردة يثب بعضهم على بعض ، ففتحوا عنهم فذهبوا في الأرض ، فذلك قول الله تعالى : (فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) وذلك حين يقول (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) [المائدة : ٧٨] : فهم القردة.
(قلت) والغرض من هذا السياق عن هؤلاء الأئمة ، بيان خلاف ما ذهب إليه مجاهدرحمهالله ، من أن مسخهم إنما كان معنويا لا صوريا ، بل الصحيح أنه معنوي وصوري ، والله أعلم.
وقوله تعالى : (فَجَعَلْناها نَكالاً) قال بعضهم : الضمير في فجعلناها عائد على القردة وقيل على الحيتان وقيل على العقوبة وقيل على القرية ، حكاها ابن جرير (١). والصحيح أن الضمير عائد على القرية ، أي فجعل الله هذه القرية والمراد أهلها بسبب اعتدائهم في سبتهم (نَكالاً) أي عاقبناهم عقوبة فجعلناها عبرة كما قال الله عن فرعون (فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى) [النازعات : ٢٥] وقوله تعالى (لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها) أي من القرى ، قال ابن عباس : يعني جعلناها بما أحللنا بها من العقوبة عبرة لما حولها من القرى كما قال تعالى : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الأحقاف : ٢٧] ومنه قوله تعالى (أَوَلَمْ
__________________
(١) الطبري ١ / ٣٧٤ ـ ٣٧٥.