الكهنة الناس فيجدونه كما قالوا ، فلما أمنتهم الكهنة كذبوا لهم وأدخلوا فيه غيره ، فزادوا مع كل كلمة سبعين كلمة ، فاكتتب الناس ذلك الحديث في الكتب ، وفشى ذلك في بني إسرائيل أن الجن تعلم الغيب ، فبعث سليمان في الناس ، فجمع تلك الكتب فجعلها في صندوق ، ثم دفنها تحت كرسيه ولم يكن أحد من الشياطين يستطيع أن يدنو من الكرسي إلا احترق ، وقال : لا أسمع أحدا يذكر أن الشياطين يعلمون الغيب إلا ضربت عنقه ، فلما مات سليمان ، وذهبت العلماء الذين كانوا يعرفون أمر سليمان ، وخلف من بعد ذلك خلف ، تمثل الشيطان في صورة إنسان ثم أتى نفرا من بني إسرائيل فقال لهم : هل أدلكم على كنز لا تأكلونه (١) أبدا؟ قالوا : نعم ، قال : فاحفروا تحت الكرسي ، فذهب معهم وأراهم المكان وقام ناحيته ، فقالوا له : فادن ، فقال : لا ولكنني هاهنا في أيديكم ، فإن لم تجدوه فاقتلوني ، فحفروا فوجدوا تلك الكتب ، فلما أخرجوها قال الشيطان : إن سليمان إنما كان يضبط الإنس والشياطين والطير بهذا السحر ، ثم طار وذهب. وفشا في الناس أن سليمان كان ساحرا ، واتخذت بنو إسرائيل تلك الكتب ، فلما جاء محمدصلىاللهعليهوسلم خاصموه بها فذلك حين يقول الله تعالى (وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا).
وقال الربيع بن أنس (٢) : إن اليهود سألوا محمدا صلىاللهعليهوسلم زمانا عن أمور من التوراة لا يسألونه عن شيء من ذلك إلا أنزل الله سبحانه وتعالى ما سألوه عنه ، فيخصمهم به فلما رأوا ذلك قالوا : هذا أعلم بما أنزل الله إلينا منا. وإنهم سألوه عن السحر وخاصموه به ، فأنزل الله عزوجل (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) وإن الشياطين عمدوا إلى كتاب فكتبوا فيه السحر والكهانة وما شاء الله من ذلك ، فدفنوه تحت كرسي مجلس سليمان وكان عليهالسلام لا يعلم الغيب ، فلما فارق سليمان الدنيا استخرجوا ذلك السحر وخدعوا الناس وقالوا : هذا علم كان سليمان يكتمه ويحسد الناس عليه ، فأخبرهم النبي صلىاللهعليهوسلم بهذا الحديث فرجعوا من عنده وقد أدحض الله حجتهم.
وقال مجاهد (٣) في قوله تعالى : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) قال: كانت الشياطين تستمع الوحي فما سمعوا من كلمة زادوا فيها مائتين مثلها ، فأرسل سليمان عليهالسلام إلى ما كتبوا من ذلك ، فلما توفي سليمان وجدته الشياطين وعلمته الناس وهو السحر.
وقال سعيد بن جبير (٤) : كان سليمان يتتبع ما في أيدي الشياطين من السحر فيأخذه منهم فيدفنه تحت كرسيه في بيت خزانته فلم تقدر الشياطين أن يصلوا إليه فدنت إلى الإنس فقالوا لهم
__________________
(١) أي لا ينفد أبدا.
(٢) هذا الأثر والذي قبله وردا في الطبري ١ / ٤٩٠.
(٣) الطبري ١ / ٤٩٢.
(٤) الطبري ١ / ٤٩٤.