أتدرون ما العلم الذي كان سليمان يسخر به الشياطين والرياح وغير ذلك؟ قالوا : نعم ، قالوا : فإنه في بيت خزانته وتحت كرسيه فاستشار به الإنس واستخرجوه وعملوا بها ، فقال أهل الحجاز : كان سليمان يعمل بهذا وهذا سحر فأنزل الله تعالى على نبيه محمد صلىاللهعليهوسلم براءة سليمان عليهالسلام فقال تعالى : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا)
وقال محمد بن إسحاق بن يسار : عمدت الشياطين حين عرفت موت سليمان بن داودعليهالسلام ، فكتبوا أصناف السحر ، من كان يحب أن يبلغ كذا فليفعل كذا وكذا حتى إذا صنفوا أصناف السحر ، جعلوه في كتاب ثم ختموه بخاتم على نقش خاتم سليمان وكتبوا في عنوانه : هذا ما كتب آصف بن برخيا الصديق للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم. ثم دفنوه تحت كرسيه واستخرجته بعد ذلك بقايا بني إسرائيل حتى أحدثوا ما أحدثوا فلما عثروا عليه قالوا : والله ما كان ملك سليمان إلا بهذا ، فأفشوا السحر في الناس فتعلموه وعلموه ، فليس هو في أحد أكثر منه في اليهود لعنهم الله ، فلما ذكر رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما نزل عليه من الله سليمان بن داود وعده فيمن عد من المرسلين ، قال من كان بالمدينة من اليهود : ألا تعجبون من محمد يزعم أن ابن داود كان نبيا والله ما كان إلا ساحرا. وأنزل الله في ذلك من قولهم (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا) الآية.
وقال ابن جرير (١) : حدثنا القاسم : حدثنا حسين حدثنا الحجاج عن أبي بكر عن شهر بن حوشب ، قال : لما سلب سليمان ملكه كانت الشياطين تكتب السحر في غيبة سليمان ، فكتبت من أراد أن يأتي كذا وكذا فليستقبل الشمس وليقل كذا وكذا ، ومن أراد أن يفعل كذا وكذا فليستدبر الشمس وليقل كذا وكذا ، فكتبته وجعلت عنوانه : هذا ما كتب آصف بن برخيا للملك سليمان بن داود عليهماالسلام من ذخائر كنوز العلم ثم دفنه تحت كرسيه ، فلما مات سليمانعليهالسلام ، قام إبليس لعنه الله خطيبا فقال : يا أيها الناس إن سليمان لم يكن نبيا إنما كان ساحرا فالتمسوا سحره في متاعه وبيوته ، ثم دلهم على المكان الذي دفن فيه ، فقالوا : والله لقد كان سليمان ساحرا هذا سحره بهذا تعبدنا وبهذا قهرنا ، فقال المؤمنون : بل كان نبيا مؤمنا ، فلما بعث الله النبي محمداصلىاللهعليهوسلم وذكر داود وسليمان فقالت اليهود : انظروا إلى محمد يخلط الحق بالباطل ، يذكر سليمان مع الأنبياء إنما كان ساحرا يركب الريح ، فأنزل الله تعالى (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ) الآية.
وقال ابن جرير (٢) : حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني ، حدثنا المعتمر بن سليمان ، قال : سمعت عمران بن حدير عن أبي مجلز قال : أخذ سليمان عليهالسلام من كل دابة عهدا فإذا
__________________
(١) الطبري ١ / ٤٩٥ ـ ٤٩٦.