أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ ، وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً) [النساء : ٤٦] ، وكذلك جاءت الأحاديث بالأخبار عنهم بأنهم كانوا إذا سلموا إنما يقولون السام عليكم ، والسام هو الموت ، ولهذا أمرنا أن نرد عليهم ب «وعليكم» ، وإنما يستجاب لنا فيهم ولا يستجاب لهم فينا. والغرض أن الله تعالى نهى المؤمنين عن مشابهة الكافرين قولا وفعلا ، فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ).
وقال الإمام أحمد (١) : أخبرنا أبو النضر أخبرنا عبد الرحمن بن ثابت أخبرنا حسان بن عطية ، عن أبي منيب الجرشي عن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له ، وجعل رزقي تحت ظل رمحي ، وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم».
وروى أبو داود (٢) عن عثمان بن أبي شيبة عن أبي شيبة عن أبي النضير هاشم أخبرنا ابن القاسم به «من تشبه بقوم فهو منهم» ففيه دلالة على النهي الشديد والتهديد والوعيد على التشبه بالكفار في أقوالهم وأفعالهم ولباسهم وأعيادهم وعباداتهم وغير ذلك من أمورهم التي لم تشرع لنا ولا نقر عليها.
وقال ابن أبي حاتم : أخبرنا أبي أخبرنا نعيم بن حماد أخبرنا عبد الله بن المبارك أخبرنا مسعر عن معن وعون أو أحدهما أن رجلا أتى عبد الله بن مسعود فقال : اعهد إلي ، فقال : إذا سمعت الله يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فأرعها سمعك فإنه خير يأمر به أو شر ينهى عنه. وقال الأعمش عن خيثمة قال : ما تقرؤون في القرآن (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فإنه في التوراة يا أيها المساكين. وقال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد عن سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس (راعِنا) أي أرعنا سمعك. وقال الضحاك : عن ابن عباس (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا) قال : كانوا يقولون للنبي صلىاللهعليهوسلم : أرعنا سمعك وإنما راعنا كقولك عاطنا. وقال ابن أبي حاتم وروي عن أبي العالية وأبي مالك والربيع بن أنس ، وعطية العوفي وقتادة نحو ذلك ، وقال مجاهد : (لا تَقُولُوا راعِنا) لا تقولوا خلافا ، وفي رواية لا تقولوا اسمع منا ونسمع منك. وقال عطاء لا تقولوا (راعِنا) ، كانت لغة تقولها الأنصار (٣) ، فنهى الله عنها ، وقال الحسن : (لا تَقُولُوا راعِنا) ، قال : الراعن من القول السخري منه ، نهاهم الله أن يسخروا من قول محمدصلىاللهعليهوسلم ، وما يدعوهم إليه من الإسلام. وكذا روي عن ابن جريج ، أنه قال مثله ، وقال أبو صخر : (لا تَقُولُوا
__________________
(١) مسند أحمد (ج ٢ ص ٥٠)
(٢) سنن أبي داوود (لباس باب ٤)
(٣) في الطبري «تقولها الأنصار في الجاهلية». والأخبار الواردة هذا في تفسير «راعنا» ذكرها الطبري في تفسيره ١ / ٥١٤ ـ ٥١٧.