عن مثل ذلك ، فكره رسول الله صلىاللهعليهوسلم المسائل وعابها ، ثم أنزل الله حكم الملاعنة ، ولهذا ثبت في الصحيحين ، من حديث المغيرة بن شعبة : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان ينهى عن قيل وقال ، وإضاعة المال ، وكثرة السؤال (١). وفي صحيح مسلم «ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ، وإن نهيتكم عن شيء فاجتنبوه» (٢) وهذا إنما قاله بعد ما أخبرهم ، «أن الله كتب عليهم الحج ، فقال رجل : أكلّ عام يا رسول الله؟ فسكت عنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثلاثا ، ثم قال عليهالسلام : «لا ، ولو قلت نعم لوجبت ولو وجبت لما استطعتم» ، ثم قال «ذروني ما تركتكم» الحديث ، ولهذا قال أنس بن مالك : نهينا أن نسأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن شيء ، فكان يعجبنا أن يأتي الرجل من أهل البادية فيسأله ونحن نسمع. وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده : أخبرنا أبو كريب ، أخبرنا إسحاق بن سليمان ، عن أبي سنان عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب ، قال : إن كان ليأتي عليّ السنة ، أريد أن أسأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن الشيء ، فأتهيب منه وإن كنا لنتمنى الأعراب. وقال البزار : أخبرنا محمد بن المثنى ، أخبرنا ابن فضيل عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال : ما رأيت قوما خيرا من أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم ، ما سألوه إلا عن اثنتي عشرة مسألة كلها في القرآن (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) ـ و ـ (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ) ـ و (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى) [البقرة : ٢١٧ ـ ٢١٩ ـ ٢٢٠] ، يعني هذا وأشباهه.
وقوله تعالى : (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ) أي بل تريدون ، أو هي على بابها في الاستفهام ، وهو إنكاري ، وهو يعلم المؤمنين والكافرين ، فإنه عليهالسلام رسول الله إلى الجميع ، كما قال تعالى : (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ ، فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً ، فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ) [النساء : ١٥٣] ، قال محمد بن إسحاق (٣) : حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد عن ابن عباس ، قال : قال رافع بن حريملة ووهب بن زيد : يا محمد ، ائتنا بكتاب تنزله علينا من السماء نقرؤه ، وفجر لنا أنهارا نتبعك ونصدقك ، فأنزل الله من قولهم ، (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ).
وقال أبو جعفر الرازي (٤) عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى : (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ) قال : قال رجل : يا رسول الله ، لو كانت كفارتنا ككفارات بني إسرائيل ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «اللهم لا نبغيها ـ ثلاثا ـ ما أعطاكم الله خير مما أعطى
__________________
(١) البخاري (خصومات باب ٣) ومسلم (أقضية حديث ١٤)
(٢) مسلم (حج حديث ٤١١ ، وفضائل حديث ١٣١)
(٣) تفسير الطبري ١ / ٥٣٠.
(٤) الأثر في الطبري ١ / ٥٣١.