عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : استبّ رجلان عند النبيصلىاللهعليهوسلم فغضب أحدهما غضبا شديدا حتى يخيل إليّ أن أحدهما يتمزع أنفه من شدة غضبه فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد من الغضب» فقال : ما هي يا رسول الله ، قال : يقول : «اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم» قال : فجعل معاذ يأمره فأبى وجعل يزداد غضبا وهذا لفظ أبي داود ، وقال الترمذي : مرسل ، يعني أن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يلق معاذ بن جبل فإنه مات قبل سنة عشرين. قلت : وقد يكون عبد الرحمن بن أبي ليلى سمعه من أبي بن كعب كما تقدم وبلغه عن معاذ بن جبل فإن هذه القصة شهدها غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم. قال البخاري : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير عن الأعمش عن عدي بن ثابت قال : قال سليمان بن صرد رضي الله عنه : استبّ رجلان عند النبيصلىاللهعليهوسلم ونحن عنده جلوس فأحدهما يسب صاحبه مغضبا قد احمر وجهه فقال النبي صلىاللهعليهوسلم «إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد لو قال : «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» فقالوا للرجل ألا تسمع ما يقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : إني لست بمجنون. وقد رواه أيضا مع مسلم وأبي داود والنسائي من طرق متعددة عن الأعمش به.
وقد جاء في الاستعاذة أحاديث كثيرة يطول ذكرها هاهنا وموطنها كتاب الأذكار وفضائل الأعمال والله أعلم. وقد روي أن جبريل عليهالسلام أول ما نزل بالقرآن على رسول اللهصلىاللهعليهوسلم أمره بالاستعاذة كما قال الإمام أبو جعفر بن جرير (١) : حدثنا أبو كريب ، حدثنا عثمان بن سعيد ، حدثنا بشر بن عمارة ، حدثنا أبو روق عن الضحاك عن عبد الله بن عباس قال : أول ما نزل جبريل على محمد صلىاللهعليهوسلم قال : «يا محمد استعذ» قال : «أستعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم» ثم قال : «قل بسم الله الرحمن الرحيم» ثم قال (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) قال عبد الله : وهي أول سورة أنزلها الله على محمد صلىاللهعليهوسلم بلسان جبريل. وهذا الأثر غريب وإنما ذكرناه ليعرف فإن في إسناده ضعفا وانقطاعا والله أعلم.
[مسألة] وجمهور العلماء على أن الاستعاذة مستحبة ليست بمتحتمة يأثم تاركها وحكى الرازي عن عطاء بن أبي رباح وجوبها في الصلاة وخارجها كلما أراد القراءة قال : وقال ابن سيرين : إذا تعوذ مرة واحدة في عمره فقد كفى في إسقاط الوجوب واحتج الرازي لعطاء بظاهر الآية (فاستعذ) وهو أمر ظاهرة الوجوب وبمواظبة النبي صلىاللهعليهوسلم عليها ولأنها تدرأ شر الشيطان وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ولأن الاستعاذة أحوط وهو أحد مسالك الوجوب وقال بعضهم : كانت واجبة على النبي صلىاللهعليهوسلم دون أمته ، وحكي عن مالك أنه لا يتعوذ في المكتوبة ويتعوذ لقيام رمضان في أول ليلة منه.
__________________
(١) تفسير الطبري ١ / ٧٧.