مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) [ق : ٤٥] ؛ وأشباه ذلك من الآيات.
وقرأ آخرون : «ولا تسأل عن أصحاب الجحيم» بفتح التاء على النهي (١) ، أي : لا تسأل عن حالهم ، كما قال عبد الرزاق : أخبرنا الثوري عن موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب القرظي ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ليت شعري ما فعل أبواي ليت شعري ما فعل أبواي ليت شعري ما فعل أبواي؟» فنزلت : (وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ) ، فما ذكرهما حتى توفاه الله عزوجل. ورواه ابن جرير عن أبي كريب عن وكيع عن موسى بن عبيدة ، وقد تكلموا فيه عن محمد بن كعب بمثله ، وقد حكاه القرطبي ، عن ابن عباس ومحمد بن كعب ، قال القرطبي : وهذا كما يقال لا تسأل عن فلان ، أي : قد بلغ فوق ما تحسب ، وقد ذكرنا في التذكرة أن الله أحيا له أبويه حتى آمنا به ، وأجبنا عن قوله : «إن أبي وأباك في النار» (٢) ، (قلت) : والحديث المروي في حياة أبويه عليهالسلام ، ليس في شيء من الكتب الستة ولا غيرها ، وإسناده ضعيف ، والله أعلم.
ثم قال ابن جرير : وحدثني القاسم أخبرنا الحسين حدثني حجاج عن ابن جريج ، أخبرني داود بن أبي عاصم ، أن النّبي صلىاللهعليهوسلم قال ذات يوم : «أين أبواي»؟ فنزلت : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ) ، وهذا مرسل كالذي قبله ، وقد رد ابن جرير هذا القول المروي ، عن محمد بن كعب وغيره في ذلك ، لاستحالة الشك من الرسولصلىاللهعليهوسلم في أمر أبويه ، واختار القراءة الأولى ، وهذا الذي سلكه هاهنا فيه نظر ، لاحتمال أن هذا كان في حال استغفاره لأبويه ، قبل أن يعلم أمرهما ، فلما علم ذلك تبرأ منهما ، وأخبر عنهما أنهما من أهل النار ، كما ثبت هذا في الصحيح ، ولهذا أشباه كثيرة ونظائر ولا يلزم ما ذكر ابن جرير ، والله أعلم.
وقال الإمام أحمد : أخبرنا موسى بن داود حدثنا فليح بن سليمان ، عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار ، قال : لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص ، فقلت : أخبرني عن صفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم في التوراة فقال : أجل والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن ؛ يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين ، وأنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ، ولا يدفع بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويغفر ولن يقبضه حتى يقيم به الملة العوجاء ، بأن يقولوا لا إله إلا الله فيفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا. انفرد بإخراجه البخاري ، فرواه في البيوع (٣) عن محمد بن سنان عن فليح به ، وقال تابعه عبد العزيز بن أبي سلمة عن هلال : وقال سعيد بن هلال عن عطاء عن عبد الله بن سلام ، ورواه في التفسير عن عبد الله عن عبد العزيز بن أبي سلمة ، عن هلال عن عطاء عن عبد الله بن
__________________
(١) ذكر القرطبي (٢ / ٩٢) أنها قراءة نافع وحده.
(٢) تفسير القرطبي ٢ / ٩٣.
(٣) صحيح البخاري (بيوع باب ٥٠) وفيه «سخّاب» في موضع «صخّاب» ، وهما بمعنى.