(قلت) وقد ثبت في الصحيح أن ابن عمر كان ينام في مسجد الرسول صلىاللهعليهوسلم وهو عزب ، وأما قوله تعالى : (وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) فقال وكيع عن أبي بكر الهذلي ، عن عطاء عن ابن عباس: والركع السجود ، قال : إذا كان مصليا فهو من الركع السجود ، وكذا قال عطاء وقتادة.
قال ابن جرير (١) رحمهالله : فمعنى الآية ، وأمرنا إبراهيم وإسماعيل بتطهير بيتي للطائفين ، والتطهير الذي أمرهما الله به في البيت هو تطهيره من الأصنام وعبادة الأوثان فيه ومن الشرك ، ثم أورد سؤالا فقال : فإن قيل : فهل كان قبل بناء إبراهيم عند البيت شيء من ذلك الذي أمر بتطهيره منه؟ وأجاب بوجهين : [أحدهما] أنه أمرهما بتطهيره مما كان يعبد عنده زمان قوم نوح من الأصنام والأوثان ، ليكون ذلك سنة لمن بعدهما ، إذ كان الله تعالى قد جعل إبراهيم إماما يقتدى به ، كما قال عبد الرحمن بن زيد (أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ) قال : من الأصنام التي يعبدون ، التي كان المشركون يعظمونها (قلت) وهذا الجواب مفرع على أنه كان يعبد عنده أصنام قبل إبراهيم عليهالسلام ، ويحتاج إثبات هذا إلى دليل عن المعصوم محمد صلىاللهعليهوسلم. [الجواب الثاني] أنه أمرهما أن يخلصا بناءه لله وحده لا شريك له ، فيبنياه مطهرا من الشرك والريب ، كما قال جل ثناؤه : (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ) [التوبة : ١٠٩] قال : فكذلك قوله : (وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ) أي ابنياه على طهر من الشرك بي والريب ، كما قال السدي (أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ) ابنيا بيتي للطائفين ، وملخص هذا الجواب أن الله تعالى أمر إبراهيم وإسماعيل عليهماالسلام أن يبنيا الكعبة على اسمه وحده لا شريك له للطائفين به ، والعاكفين عنده ، والمصلين إليه من الركع السجود ، كما قال تعالى : (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) [الحج : ٢٦].
وقد اختلف الفقهاء أيهما أفضل الصلاة عند البيت أو الطواف به؟ فقال مالك رحمهالله ، الطواف به لأهل الأمصار أفضل. وقال الجمهور : الصلاة أفضل مطلقا ، وتوجيه كل منهما يذكر في كتاب الأحكام ، والمراد من ذلك الرد على المشركين الذين كانوا يشركون بالله عند بيته المؤسس على عبادته وحده لا شريك له ، ثم مع ذلك يصدون أهله المؤمنين عنه ، كما قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) [الحج : ٢٥] ثم ذكر أن البيت إنما أسس لمن يعبد الله وحده لا شريك له إما بطواف أو صلاة ، فذكر في سورة الحج أجزاءها الثلاثة : قيامها وركوعها وسجودها ، ولم يذكر العاكفين لأنه تقدم (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) وفي هذه الآية الكريمة ذكر الطائفين والعاكفين ، واكتفى بذكر الركوع والسجود عن القيام ، لأنه قد علم أنه لا يكون ركوع ولا سجود إلا بعد قيام ، وفي ذلك أيضا رد على من لا يحجه من أهل
__________________
(١) تفسير الطبري ١ / ٥٨٧.