وسلامه عليه رسولا في الأميين إليهم وإلى سائر الأعجميين من الإنس والجن ، كما قال الإمام أحمد (١) : أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح ، عن سعيد بن سويد الكلبي ، عن عبد الأعلى بن هلال السلمي ، عن العرباض بن سارية ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «إني عبد الله لخاتم النبيين ، وإن آدم لمنجدل في طينته ، وسأنبئكم بأول ذلك ، دعوة أبي إبراهيم ، وبشارة عيسى بي ، ورؤيا أمي التي رأت ، وكذلك أمهات النبيين يرين» وكذلك رواه ابن وهب والليث وكاتبه عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح وتابعه أبو بكر بن أبي مريم عن سعيد بن سويد به.
وقال الإمام أحمد (٢) أيضا : أخبرنا أبو النضر ، أخبرنا الفرج ، أخبرنا لقمان بن عامر ، قال : سمعت أبا أمامة قال : قلت يا رسول الله : ما كان أول بدء أمرك؟ قال «دعوة أبي إبراهيم ، وبشرى عيسى بي. ورأت أمي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام».
والمراد أن أول من نوه بذكره وشهره في الناس إبراهيم عليهالسلام ، ولم يزل ذكره في الناس مذكورا مشهورا سائر حتى أفصح باسمه خاتم أنبياء بني إسرائيل نسبا ، وهو عيسى ابن مريم عليهالسلام ، حيث قام في بني إسرائيل خطيبا ، وقال (إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) [الصف : ٦] ولهذا قال في هذا الحديث دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى بن مريم. وقوله : ورأت أمي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام ، قيل كان مناما رأته حين حلمت به ، وقصته على قومها ، فشاع فيهم واشتهر بينهم ، وكان ذلك توطئة ؛ وتخصيص الشام بظهور نوره إشارة إلى استقرار دينه ونبوته ببلاد الشام ، ولهذا تكون الشام في آخر الزمان معقلا للإسلام وأهله ، وبها ينزل عيسى بن مريم إذ نزل بدمشق بالمنارة الشرقية البيضاء منها ، ولهذا جاء في الصحيحين «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» وفي صحيح البخاري «وهم بالشام».
قال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ) يعني أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، فقيل له : قد استجيب لك ، وهو كائن في آخر الزمان ، وكذا قال السدي وقتادة ، وقوله تعالى : (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ) يعني القرآن ، (وَالْحِكْمَةَ) يعني السنة ، قاله الحسن وقتادة ومقاتل بن حيان وأبو مالك وغيرهم ، وقيل : الفهم في الدين ولا منافاة ، (وَيُزَكِّيهِمْ) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يعني طاعة الله وقال محمد بن إسحاق (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) قال الخير فيفعلوه والشر فيتقوه ، ويخبرهم برضا الله عنهم إذا أطاعوه ليستكثروا من طاعته ويجتنبوا ما يسخطه من معصيته.
__________________
(١) مسند أحمد (ج ٤ ص ١٢٧)
(٢) مسند أحمد (ج ٥ ص ٢٦٢)