ووقع عند النسائي من رواية أبي سعيد بن المعلى أنها الظهر ، وقال : كنت أنا وصاحبي أول من صلّى إلى الكعبة.
وذكر غير واحد من المفسرين وغيرهم : أن تحويل القبلة نزل على رسول الله وقد صلى ركعتين من الظهر ، وذلك في مسجد بني سلمة ، فسمي مسجد القبلتين ، وفي حديث نويلة بنت مسلم : أنهم جاءهم الخبر بذلك وهم في صلاة الظهر ، قالت : فتحول الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال ، ذكره الشيخ أبو عمر بن عبد البر النمري ، وأما أهل قباء فلم يبلغهم الخبر إلى صلاة الفجر اليوم الثاني ، كما جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أنه قال :
بينما الناس بقباء في صلاة الصبح ، إذ جاءهم آت فقال : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها ، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة. وفي هذا دليل على أن الناسخ لا يلزم حكمه إلا بعد العلم به ، وإن تقدم نزوله وإبلاغه ، لأنهم لم يؤمروا بإعادة العصر والمغرب والعشاء ، والله أعلم. ولما وقع هذا ، حصل لبعض الناس من أهل النفاق والريب والكفرة من اليهود ارتياب ، وزيغ عن الهدى وتخبيط وشك ، وقالوا (ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها) أي قالوا : ما لهؤلاء تارة يستقبلون كذا وتارة يستقبلون كذا؟ فأنزل الله جوابهم في قوله (قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) أي الحكم والتصرف والأمر كله لله (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) [البقرة : ١١٥] و (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ) [البقرة : ١٧٧] أي الشأن كله في امتثال أوامر الله ، فحيثما وجهنا توجهنا ، فالطاعة في امتثال أمره ولو وجهنا في كل يوم مرات إلى جهات متعددة : فنحن عبيده وفي تصرفه ، وخدامه حيثما وجهنا توجهنا ، وهو تعالى له بعبده ورسوله محمد صلوات الله وسلامه عليه وأمته عناية عظيمة إذ هداهم إلى قبلة إبراهيم خليل الرحمن ، وجعل توجههم إلى الكعبة المبنية على اسمه تعالى وحده لا شريك له أشرف بيوت الله في الأرض ، إذ هي بناء إبراهيم الخليل عليهالسلام ولهذا قال : (قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).
وقد روى الإمام أحمد (١) عن علي بن عاصم عن حصين بن عبد الرحمن ، عن عمرو (٢) بن قيس ، عن محمد بن الأشعث ، عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، يعني في أهل الكتاب : «إنهم لا يحسدوننا على شيء كما يحسدوننا على يوم الجمعة التي هدانا الله لها وضلوا عنها ، وعلى القبلة التي هدانا الله لها وضلوا عنها ، وعلى قولنا خلف الإمام : آمين».
وقوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) يقول تعالى : إنما حولناكم إلى قبلة إبراهيم عليهالسلام ، واخترناها لكم
__________________
(١) مسند أحمد (ج ٦ ص ١٣٥)
(٢) في المسند «عمر».