ورواه البخاري من حديث مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة بنحو ما تقدم. ثم قال البخاري : حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن عاصم بن سليمان قال : سألت أنسا عن الصفا والمروة ، قال : كنا نرى أنهما من أمر الجاهلية ، فلما جاء الإسلام أمسكنا عنهما فأنزل الله عزوجل : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ).
وذكر القرطبي (١) في تفسيره عن ابن عباس قال : كانت الشياطين تفرق (٢) بين الصفا والمروة الليل كله وكانت بينهما آلهة ، فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن الطواف بينهما ، فنزلت هذه الآية. وقال الشعبي : كان إساف على الصفا وكانت نائلة على المروة ، وكانوا يستلمونها فتحرجوا بعد الإسلام من الطواف بينهما فنزلت هذه الآية (قلت) ذكر محمد بن إسحاق (٣) في كتاب السيرة أن إسافا ونائلة كانا بشرين ، فزنيا داخل الكعبة فمسخا حجرين فنصبتهما قريش تجاه الكعبة ليعتبر بهما الناس ، فلما طال عهدهما عبدا ، ثم حولا إلى الصفا والمروة ، فنصبا هنالك فكان من طاف بالصفا والمروة يستلمهما ، ولهذا يقول أبو طالب في قصيدته المشهورة : [الطويل]
وحيث ينيخ الأشعرون ركابهم |
|
لمفضى (٤) السيول من إساف ونائل |
وفي صحيح مسلم من حديث جابر الطويل ، وفيه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما فرغ من طوافه بالبيت عاد إلى الركن فاستلمه ، ثم خرج من باب الصفا وهو يقول (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) ثم قال : «أبدأ بما بدأ الله به» وفي رواية النسائي «ابدءوا بما بدأ الله به».
وقال الإمام أحمد (٥) : حدثنا شريح حدثنا عبد الله بن المؤمل عن عطاء بن أبي رباح عن صفية بنت شيبة عن حبيبة بنت أبي تجراة قالت : رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يطوف بين الصفا والمروة والناس بين يديه وهو وراءهم وهو يسعى ، حتى أرى ركبتيه من شدة السعي يدور به إزاره وهو يقول : «اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي».
ثم رواه الإمام أحمد (٦) عن عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن واصل مولى أبي عيينة عن موسى بن عبيدة عن صفية بنت شيبة ، أن امرأة أخبرتها أنها سمعت النبي صلىاللهعليهوسلم بين الصفا والمروة يقول : «كتب عليكم السعي فاسعوا».
وقد استدل بهذا الحديث على مذهب من يرى أن السعي بين الصفا والمروة ركن في الحج ،
__________________
(١) تفسير القرطبي ٢ / ١٧٩.
(٢) في القرطبي : «تعزف».
(٣) سيرة ابن هشام ١ / ٨٣.
(٤) في السيرة : «بمفضى».
(٥) مسند أحمد (ج ٦ ص ٤٢١)
(٦) مسند أحمد (ج ٦ ص ٤٣٧)